سينما اسطوريا ،سينما السويقة (بريس كالدوس ) سينما المنصور ،هذه السينمات الثلاث كانت تحيط بنا مثل القدر، لقد وعينا على هذه السينمات منذ طفولتنا كما وعينا أيضا على بقايا ( تياطرو العوريان) ، لقد كانت متعة مشاهدة الأفلام لا تضاهيها أية متعة أخرى ، وأي متعة أن نجلس في الظلام وسط الجمهور والاندماج في الشاشة الكبيرة والاستغراق في الفيلم الذي يصبح عالمنا بأسره ، والقصر الكبير احتضنت قاعة سينمائية فريدة من نوعها لا تضاهيها إلا ما بات يعرف الآن بسينما الهواء الطلق ، هي سينما الطبيعة او (تياطرو العوريان – المسرح العاري -) ولا يمكن أن نستحضر سينما الطبيعة دون إن نستحضر صاحبها المرحوم الحاج بوغالب السفريوي الذي أتحفني ابنه الأستاذ عبد الحميد الزفري بهذا النص الجميل .. ""ما سأسرده للذكرى ، وفي آن واحد لاطلاع المتلقي على ظواهر لا محالة ستثير لديه بعضا من الدهشة ، وربما من الابتسام الذي لايتجلى على المحيا ، بل يتسرب الى سويداء الروح . كانت مدينة القصر الكبير تتوفر على ثلاث قاعات سينمائية ، سينما الطبيعة سينما بريس كالدوس سينما اسطوريا خلال فترة الاستعمار ، وإبان السبعينيات من القرن الماضي انضافت قاعة رابعة هي سينما المنصور . الثلاثة ، الأولى كان يهيمن عليها يهود المدينة .بعضهم كانت لهم مشاكل مع البلدية فيما يرتبط بالقاعة الأولى التي كانت توجد خلف الساعة الكبرى لساحة سيدي بواحمد ، اضطروا لإغلاق أبوابها ردحا من الزمن كورقة ضغط ، مما الجأ المقيم العام الاسباني إلى إلصاق إشعار بالبلدية حول سمسرة علنية لتفويت القاعة الى مكتر جديد . شاءت الصدف أن يندفع رجل بزيه التقليدي ومن وسط محافظ بحماس فضولي فكان له ما أراد . إنها مغامرة فعلا آنذاك، القاعة احتاجت إلى عدة إصلاحات بتقسيماتها الثلاث(العمومي General ) فضاء ملاصق للشاشة التي توسع حجم بناءها طولا أكثر لتتيح فرصة مشاهدة أفلام Scope ثمن التذكرة 30سنتيم ) زائد ( BUTACA بعد الجدار الفاصل 70 سنتيم ) زائد الممتاز Perferencia) 120 سنتيم )، الأرضية في كل سنة تتطلب كيمية من الرمال تفاديا للغبار ، الجدران تتدلى منها نباتات ( اللواية ) لخضرتها يخيل إليك انك في الحدائق المعلقة ببابل ، الكراسي خشبية مستقلة عن بعضها في القسم الثاني والثالث ، كل يسوده لو ن واحد ، من عايش بعض المشاهد لايقوى صبرا إلا يضحك بملء فيه ، فهذا واحد من المتفرجين والأضواء ساطعة يدخل أمام الملأ دون اكتراث وهو ممسك ب(دلاحة ) أو ( بطيخة ) أو خبزة محشوة ببعض الأطعمة الشعبية باحثا عن المكان المناسب ، أما النسوة فيرتدين "الحايك " الأبيض واللثام ، هن ايضا يترددن على السينما لإشباع نهمهن من مشاهدة فيلم ذي مضمون اجتماعي أو استعراضي يختم عادة برائعة لعبد الحليم حافظ او عبد الوهاب أو فريد الأطرش ، في نهايتها تسمع تصفيقات حارة ، تنبئ عن مدى تذوق الجمهور القصري للفن الرفيع ، أحيانا ينقطع حبل تواصلك عندما تسمع حجرا جاء محلقا من العالم الخارجي ليرتطم بالشاشة لأنك جالس وفوقك سماء ملئت نجوما لألاءة وقمرا منيرا . خلال الأيام البيض ترمق شبانا عالقين بين أغصان أشجار محاذية لجدران القاعة من الخارج . ايام عاشوراء كان سي بوغالب رحمه الله حريصا على إرضاء سكان القرى يتوافدون على المدينة بالمناسبة حيث يجلب فيلما جيدا يعاد تشغيله طيلة الليل إلى أن يسطع ضوء الصباح ، وإذا ما توقف الشريط لعطب ما ، شوهدت الصورة تحترق بفعل حرارة الإنارة ، فكن ترى بعضهم يهرع نحو باب الخروج .وفي أواخر شتنمبر أحيانا تهطل بعض الأمطار ، فلا يستطيع المشاهد المغادرة حتى لا تضيع سنتيماته سدى ، إذ يحمل كرسيه فوق رأسه اتقاء المطر أن يبلل ثيابه ، لكن هيهات هيهات … بسطاء الناس كانت حكاياتهم مع السينما مليئة مليئة بالأعاجيب المدهشة ، في يوم هرعوا فارين عندما تزامن قصف الرعود مع مشهد خروج ديناصور من البحر ليهجم على المدينة ، وأحيانا ذرفوا الدموع الغزيرة لتماهيهم مع السقوط التراجيدي لممثل او ممثلة تعاطفوا معه (ها ) وأحيانا أخرى ، خاصة فئة الشباب لشغفهم بالأفلام الهندية وما يصاحبها من أغان كانوا يحفظون كلماتها . خلال أيام الآحاد خصوصا لسوء الصدف ينقطع التيار الكهربائي أثناء بداية الشريط او منتصفه ، مدة طويلة رغم الاتصال المتكرر بإدارة الوكالة ، لكن دون جدوى لأن المسؤول في عطلة نهاية الأسبوع ، ومع دلك بتجلده رغم احتجاجات الجمهور كان السي بوغالب يجري الاتصالات دون كلل إلى أن يستجاب له . وتمضي السنون ، ويزداد الرجل اطلاعا على عالم السينما ، ومعرفة بشركات توزيع الأفلام ، التي يزورها مرة أو مرتين في كل شهر بالدار البيضاء لاختيار الأجود من الأفلام ، الشيء الذي خول له الحصول على بطاقة بيضاء من طرف المركز السينمائي المغربي تتيح له دخول أية قاعة سينمائية بالمغرب وهي لا تمنح إلا بشروط عدة ، رحم الله من مازج بين الإنسان وأصالته وعالم السينما ودهشته .