يعتبر الشاعر والمترجم إسماعيل العلاوي من رواد القصيدة الإسبانية في شمال المغرب. فقد ولد في مدينة القصر الكبير، المعروفة بمدينة الشعراء، حيث أتم دراسته فيها، قبل أن ينتقل إلى مدينة تطوان. فالشاعر متخصص في اللغة والأدب الإسباني وحاصل على مجموعة من الدرجات الأكاديمية في التخصص نفسه، كما أنه يشتغل أستاذا للغة الإسبانية. هذا الارتباط الوثيق بالإسبانية يعتبر السبب الرئيسي في انكبابه على الكتابة الشعرية بلغة لوركا. نشر اسماعيل العلاوي مجموعة من الأعمال الشعرية بإسبانيا أبرزها : (Soñaba 2012 (Sietes 2013) (Versos africanos 2018). ويتناول في هذه الأعمال موضوعات إنسانية شتى، تمس مجموعة من القضايا المهمة، منها القضية الفلسطينية والربيع العربي، والجرائم التي ارتكبت في حق المسلمين في سوريا وبورما وغيرها. كما التفت إلى ظاهرة أطفال الشوارع وما يتعلق بها من مشاكل نفسية واجتماعية داخل الوطن العربي وخارجه. وتطرق كذلك إلى فئة المرضى؛ فشاركهم أسقامهم محاولا تخفيف وطأة الألم عنهم. فديوان Versos africanos، كتب بلغة الحب والسلام والتسامح، من خلال موضوعات مرتبطة بالثقافة الأندلسية وإفريقيا والقضية الفلسطينية والوطن العربي ككل. وحسب الناقد عبد الله الناصري، الذي تطرق إلى ديوان Versos africanos في دراسته النقدية، واصفا قصائد إسماعيل العلاوي على أنها شبيهة بتلك النحلة التي تنتقل بحثا عن الرحيق، من زهرة إلى زهرة، فتنوعت موضوعاتها واختلفت، وكونت في مجملها باقة شعر بلغة سيرفانتيس. ومن أهم هذه الموضوعات: الأندلس: حيث يؤكد الشاعر من خلال قصيدته «غرناطة» على الهوية المغربية العربية والإسلامية لبلاد الأندلس، ويشير إلى خلود حضارتها، خاصة في ما تتميز به في فن العمارة، الذي لا يزال الشاهد عليها حاضرا في إسبانيا والمغرب. كما يلفت الانتباه إلى مسألة مثيرة للاهتمام، وهي أن الأندلس سجلت مرحلة مهمة في تاريخ الإسبان تعايشت فيها ثقافتان إنسانيتان مختلفتان مدة ثمانية قرون. إفريقيا: ركز الشاعر على الثقافات الإفريقية في مجموعة من قصائده، منها قصيدة «ألوان إفريقية». فعبر باللغة الأدبية الإسبانية عن مضمون إفريقي، لافتا الانتباه، على سبيل المثال لا الحصر، إلى أن إفريقيا ليست مقسمة ثقافيا إلى بيض وسود. إنها كما يقول «ألوان ثقافية» والمغاربة لون ثقافي نهل من أصله الإفريقي، كما نهل من أصوله الأخرى العربية والأمازيغية والصحراوية والأندلسية. القضية الفلسطينية: إن روح الشاعر الموصولة بهذه القضية حاضرة في مجموعة من قصائده كقصيدة «فلسطين»، بحيث صور ما يعيشه الفلسطيني كل يوم بسبب العدوان الصهيوني، وبين رمزية بيت المقدس بالنسبة للعرب والمسلمين، وعبّر عن أمله مترقبا أن أرض فلسطين ستتحرر يوما. الحرب: فتح الشاعر بقصيدته «لماذا» نافذة يطل منها على الوضع المزري الذي يعيشه المجتمع العربي في الشرق الأوسط، جراء التناحر وإراقة الدماء من أجل مصالح شخصية ضيقة، بل وسع دائرة رؤيته ليعبر عما آلت إليه البشرية جمعاء جراء الحروب. وفي قصيدته هذه يقول: إن بتر يد طفل أو رجله، إنما هو بتر لحلم رسام وقتل لحلم رياضي. الحرب كما يقول: «لا تكتفي بقتل الناس...تغتال كذلك أحلام المستقبل.» السلام: في قصائده «أبحث عن السلام أحلم بنجمتين بحر) يحرر حمامة السلام من قفصها، فيقول: إن السلام يبدأ بأبسط الأشياء.. ابتسامة، كلمة طيبة، بل ربطه بالتسامح وحسن الجوار، والتعايش بين الشعوب والأديان والثقافات، والانفتاح على الآخر، والتضامن القوي بين الأفراد والشعوب ماديا ومعنويا، فضلا عن ربطه السلام بالتنمية المستدامة، معبرا عن هذا الترابط بمفهوم جديد للسلام؛ وهو السلام المستدام. ■ أين ومتى التقيت بالشعر أول مرة؟ □ لقائي بالشعر كان مصادفة، وذلك في فترة الدراسة الثانوية في مدينة القصر الكبير (2002/2005) حيث كان أول اتصال لي بالشعر في ثانوية المحمدية التي فيها انفتحت على الشعر الإسباني متمثلا في أنطونيو ماتشادو... ولا أنسى تأثري قبل ذلك بالشعر العربي، مثل أشعار أبي القاسم الشابي، وكان ثاني لقاء لي بالشعر سنة 2008 أيام الغزو الإسرائيلي لفلسطين، خاصة غزة، فلجأت إلى الشعر للتنديد بهذا العدوان الغاشم. وكان لقائي الرسمي بالشعر سنة 2011 تزامنا مع ما يسمى بالربيع العربي، وأثمر ذلك عن إصدار أول ديوان شعري لي سنة 2012 باسم Soñaba من خلال دار النشر viveLibro، وقد عبّرت فيه عن مجمل القضايا التي أثيرت في ذلك الوقت، خاصة في ما يتعلق بهموم الإنسان العربي وما آل إليه بسبب غياب العدالة الاجتماعية. وعموما كان لجوئي للشعر متنفسا وقناة للتواصل مع المتلقين داخل الوطن العربي وخارجه. ■ ما هو تعريفك للشعر في مثل هذا الزمن، وأي دور ترى له؟ □ الشعر رؤية فلسفية للذات والمجتمع والمستقبل. أسعى/نسعى من خلاله إلى إحلال السلام في العالم، وإشعاع ثقافة التسامح والمساواة ونشرها بين الأفراد والشعوب. ويبقى الشعر تلك اللغة الأدبية التي تتجاوز كل ما هو عقدي أو عرقي أو مذهبي أو أيديولوجي إلى ما هو جميل. ■ حينما أصدرت مجموعتك الشعرية الأولى، هل كنت تفكر في خلق أسلوب جديد؟ □ كانت غايتي من نشر ديواني الأول هي نقل تلك الحمولة الفكرية العربية عامة والمغربية خاصة إلى الآخر بلغة سرفانتيس، ومحاولة خلق نموذج جديد للشعر باللغة الإسبانية بابتكار أشكال شعرية جديدة، والشيء نفسه كان في العملين التاليين. أعتبر الشعر فنا إبداعيا ومحاولة دائمة لإبداع صور شعرية جديدة تغني المشهد الأدبي بلغة الضفة الأخرى. ■ ما نظرتك الآن للشعر المعاصر، وكيف تنظر لأعمال الشعراء الكبار بعد رفاييل البيرتي وماتشادو ولوركا؟ □ الشعر فن وجنس أدبي دائم التطور، يختلف من شاعر لآخر باختلاف همومه وتجاربه الحياتية ونظراته للعالم. ويبقى للشعراء الأوائل مثل رفاييل البيرتي وماتشادو ولوركا ومحمود درويش وغيرهم الفضل الكبير في حياتنا الأدبية ومسارنا الشعري. ■ كيف ترى الآن مكانة الأدب المكتوب بالإسبانية في المغرب أولاً وفي العالم العربي؟ □ الأدب المكتوب باللغة الاسبانية، يظل في الوطن العربي عامة والمغرب خاصة حبيس معاهد اللغة الإسبانية والفئات الناطقة بهذه اللغة. كما نلفت الانتباه إلى غياب هذا الأدب والثقافة الإسبانية عامة في المؤسسات الإعلامية الرسمية، وبالتالي يحول ذلك دون تحقق التواصل المطلوب والمرجو بين المتلقي العربي والأدب المكتوب باللغة الإسبانية. ■ هل للشعر المكتوب بلغات أجنبية، خاصة الإسبانية تأثير على الساحة الأدبية، كيف تقيم تأثير النصوص وتأثير الثقافات على بعضها بعضا؟ بالطبع للشعر الإسباني تأثير على الساحة الأدبية، فمثلا حينما نتكلم عن García Lorca أو Luis Góngora وآخرين، فنحن نتكلم عن أدباء تجاوزوا الحيز الجغرافي الإسباني ليتركوا بصمتهم في الأدب العالمي. وبالفعل هناك تأثير للثقافات في ما بينها، فلقد صرنا نعيش في قرية صغيرة بحكم العولمة وتطور أشكال التكنولوجيا والتواصل، ودورنا كأدباء هو إيصال ثقافتنا إلى المتلقي في ظل جو يحكمه التسامح والتعايش المستدام. ■ كيف هي علاقتك بباقي الأنواع الأدبية كالرواية والمسرح؟ □ علاقتي بالرواية وأشكال أدبية أخرى هي علاقة إيجابية. فأنا على إطلاع دائم بما يدور في الساحة الأدبية، أقرأ للأدباء الكبار والأدباء الشباب بلغاتهم. كانت لي قديما محاولات في الكتابة في أجناس أخرى غير الشعر لكن حاليا لا، ولا أخفي أنني قد أخوض تجربة روائية باللغة الإسبانية في المستقبل. إنني لست ممن يحصر نفسه في جنس أو نوع أدبي معين، لأنه بالنسبة لي اختيار الكتابة في الشعر أو الرواية أو القصة أو المسرحية وغيرها مرتبط بظروف معينة يعيشها الشاعر نفسيا واجتماعيا وفكريا... وهي ظروف غير ثابتة، بل إنها متغيرة باستمرار، فإذا كتبت اليوم شعرا فغدا قد أكتب رواية. ■ ما الأثر الذي تركه الأدب الإسباني في شعرك؟ □ درست على يد أساتذة كبار في الجامعة، تمكنت بفضلهم من معرفة الساحة الأدبية الإسبانية وتاريخها، بالإضافة إلى دراستي للسانيات اللغة الإسبانية وثقافة البلدان الناطقة بهذه اللغة...على العموم هذه الدراسات كان لها الفضل الكبير في ما وصلت إليه الآن. ■ هل يجيب الشعر عن الأسئلة المصيرية للإنسان حول نفسه والعالم؟ أم ليس من شأن الشعر أساسا الإجابة عن مثل هذه الأسئلة؟ □ كما قلت في البداية، فالشعر هو رؤية فلسفية للذات والمجتمع والمستقبل، أجاب ويجيب وسيجيب عن كل الأسئلة المصيرية التي تهم الفرد والمجتمع. فمثلا في أشعاري تطرقت لعدة قضايا لم تجب عنها أشكال أخرى أو غضت الطرف عنها إن صح التعبير. ■ يُلاحظ المتلقي أنك مرتبط بالقضية الفلسطينية ارتباطا وثيقا، هل يمكن أن توضح لنا نوع العلاقة وهل الشعر قادر على الدفاع عن القضية، خاصة أن جان بول سارتر أقصاه من دائرة الأدب الملتزم؟ □ القضية الفلسطينية حاضرة بقوة في كل أعمالي الشعرية، وعلاقتي بهذه القضية مثل علاقة الفلاح بأرضه، لا يمكن لأحد أن يتصور الحالة النفسية للفلاح عندما تُنْزَع منه أرضه التي هي حياته كلها... لهذا اتخذت من الشعر مجالا للتعبير عن هموم الشعب الفلسطيني. الشعر كان وما يزال وسيبقى ملتزما ووفيا لقضايا الإنسان المتصلة بعصره... فالشاعر ابن بيئته. ■ ما الذي أخذه الشعر المغربي المكتوب بالإسبانية، وما الذي أعطاه؟ □ لا ريب أن الشعر المغربي المكتوب بالإسبانية لم يأخذ شيئا، لكنه على ما يبدو عموما، أعطى كل شيء... فالشعر المكتوب باللغة الإسبانية ساهم في إغناء الشعر المغربي لكنه لم يجد مكانه بسبب قلة المهتمين .... ■ معلوم أن قراءة النصوص باللغة الإسبانية غير متاحة للجميع، ولذلك انبثقت نهضة الترجمة، ما هو رأيك في ترجمة الشعر؟ □ فكرة ترجمة الشعر وأشكال أدبية أخرى من لغة إلى لغة أخرى هي فكرة إيجابية. إن لها فائدة عظيمة في إيصال ذلك الخطاب الأدبي والثقافي، وكذلك المعرفي إلى المتلقي الذي لا يتقن لغات أخرى، ناهيك عن مد جسور التواصل بين الحضارات والمجتمعات المختلفة. ■ ما هي حدود معرفتك بالشعر العربي المعاصر؟ هل استرعى انتباهك شاعر عربي معاصر؟ □ أتتبع دائما الساحة الأدبية العربية، فقد درست في صغري باللغة العربية، فتأثرت بأدباء كبار كمحمود درويش أبي القاسم الشابي، أحمد مطر وغيرهم... ٭ كاتب وباحث مغربي