عرف السيد محمد عبد الوهاب رفيقي ضمن شيوخ ما اصطلح عليه السلفية الجهادية، واشتهر ضمن صفوف السلفيين بفاس، وأمر أمره بينهم، واشتهر بخطبه ودروسه، لكنه بعد الخروج من السجن، قدم مراجعات فكرية وفقهية صارت معلومة ومعروفة عند المتتبعين، ولعل هذا ما حدا بالقناة الأولى إلى استدعائه إلى بلاتو ضيف الأولى، وقد سجلنا على الحلقة وتبعاتها بعض الملاحظات. الأولى : استدعى الضيف مجموعة من أصدقائه ومعارفه ومقربيه، ولاحظنا البلاتو خلوا من علماء المجالس العلمية، رؤساء وأعضاء، وهذا أمر مثير للغاية، إذ من المستساغ عدم حضورهم لأبي حفص في نسخته الأولى، أما أن لا يحضروا معه إلى البلاتو، فهذا يعني بالنسبة لي شيئين اثنين : الاحتمال الأول : إما أنه لا تربطه بهم أية علاقة، ولم ينسجوا معه أية صلة، ولم يتقربوا منه ولم يتعرفوا عليه من كثب، وهذه رسالة سلبية لعموم السلفيين المتشددين، حيث يقول لهم هؤلاء الرسميون، نتبرأ منكم في مرحلة التشدد، ونتبرأ منكم بعد المراجعات، وهذا لا يشجع الآخرين على القيام بمراجعات، لأنهم يحدسون أنهم سيكونون غير مرحب بهم عمليا من قبل التيار العلمائي الرسمي. الاحتمال الثاني : هناك علاقات بين رفيقي وبين علماء المجالس، لكنه لم يستدعهم، وهذا مستبعد، أو تخوفوا من الحضور، وهذا مستبعد أيضا. الثانية : لم يحضر مع رفيقي أي من قادة الأحزاب السياسية، ولم يحضر حتى حميد شباط باعتباره كان رفيق رفيقي في اللائحة الانتخابية بفاس، ولم يحضر أحد من أعضاء اللجنة التنفيذية للحزب، رغم أن الضيف رئيس مركز الميزان، وهذا مؤشر سلبي، يدل على أن الحزب نفض يده من المركز، وخلو البلاتو من ساسيين من باقي الأحزاب، يضطرنا إلى وضع احتمالين مشابهين للاحتمالين السابقين : الاحتمال الأول : أن رفيقي وعموم السياسيين لا يلتقيان، ولا يتعارفان، لذا لم يستدعهم، وكأن السياسيين لا يعرفون المتشددين إلا من أجل منح ميكروفونات التلفزيون تصريحات منددة بتشددهم ومؤيدة للحملات الأمنية لاعتقالهم، أما إذا قاموا بمراجعات، فإنهم لا يحتضنونهم ولا يتقربون منهم، ولا يستفيدون من طاقتهم، من أجل فهم الظاهرة والعمل على تفاديها. وكأن السياسيين يستفيدون من السلفيين في مرحلة تشددهم، ولا يستفيدون منهم في مرحلة اعتدالهم أو بعد مراجعاتهم. الاحتمال الثاني : أن أبا حفص على علاقة مع كثير من السياسيين، يعرفهم ويعرفونه، لكنه لم يستدع أحدا منهم، وهذا مستبعد، أو أنه استدعاهم ولم يحضروا وهذا مستبعد. الثالثة : ثالث الملاحظات هو غياب قيادات الصف الأول أو الثاني من الحركات الإسلامية، خصوصا من حركة التوحيد والإصلاح وجماعة العدل والإحسان، فهل يعد هذا الغياب مؤشرا على موقف التنظيمين من رفيقي ؟ أم أن الأمر مجرد صدفة لا غير ؟ الرابعة : امتلأ البلاتو بعدد وافر من الشباب من الجنسين، لكن، لم نعرف من خلال الضيف أو معد البرنامج طبيعة هؤلاء الشباب، وهل يوجد ضمنهم عدد ممن قدموا مراجعات مع الضيف ؟ لنعرف مدى قدرة الضيف على إقناع أتباع الأمس، أو أنه قدم التراجعات وحده دون أن يؤثر في غيره ؟ هذه أسئلة جوهرية استعاض عنها مقدم البرنامج بأسئلة ليست ذات فائدة. الخامسة : استثمر الضيف جيدا فكرة وجود تيار عام يميل إلى استيراد ثقافة مشرقية غير معتدلة في مرحلة تاريخية، وأن كثيرا من الشباب كانوا ضحية تلك الموجة ا لتي حملتهم إلى السجون، وأن ذلك لم يكن في الغرفات المظلمة، بل كان في المساجد الرسمية للدولة، وكانت خطب منابر جملة من المساجد وبعض الفعاليات الحزبية تصب في هذا الاتجاه. وهو الأمر الذي لم يحسن استثماره معد البرنامج لتعميق النقاش في هذه النقطة. السادسة : البعد التربوي من الحلقة لم يستحضره المعد جيدا ، لأن الأساس الذي ينبغي أن يبنى عليه البرنامج هو سؤال : كيف نستثمر مسيرة رفيقي لانتشال أشباهه الذين يمكن أن يكونوا الآن منهزمين أمام موجة ما، خصوصا أن كثيرا من الشباب ما زالوا يتأثرون بشيوخ التطرف إن في المغرب أو خارجه، وما زاال المغرب يتصدر عدد منتجي الشباب المتطرف سواء في ليبيا أو الشام، بل في المغرب نفسه، على دروب وأزقة الفايسبوك، وما حملة المتشددين على رفيقي قبل وبعد البرنامج منا ببعيد. السابعة : كيف يرد رفيقي على خصومه ؟ مسألة أساسية كان على المعد طرحها، حيث بإمكانه أن يجمع بعض عبارات المتطرفين الذين ينتقدون الضيف ليرد عليها بأسلوبه المقنع حتى يحول بين كثير من البسطاء واقتناعهم بترهات المتطرفين، مثل التصريحات الرعناء التي أدلى بها بعض المنتسبين إلى التيار السلفي، كقول أحد شيوخهم : أبو حفص يحارب الدين، أو أبو حفص مرتد، أو أبو حفص كذا وكذا.... هذه المقولات التي ينطقها إنسان بلحية وسمت معين، وتغلف بغلاف ديني قد تؤثر على البسطاء، لذا كان حريا بالمعد أن يطرحها ويعطيها على الأقل 5 دقائق من الحلقة ليرد عليها الضيف بأدب وإقناع من المنظومة الدينية ذاتها، الثامنة : هناك قضايا أخرى يمكن إثارتها، لكن نكتفي بما كتب أعلاه، وأسجل نقطة أساسية، وهي أنني أوافق أبا حفص في كثير من أقواله، كثير مما صرح به في الحلقة، باستثناء قضية الإرث التي طرحت في حيز زمني ضيق جدا، وقد استمعت إلى تصريحاته في الموضوع في مناسبة أخرى، واختلافي معه لا يفسد تثميني لمراجعاته، وتشجيعه عليها، ويمكن إن يسر الله اللقاء به في مناسبة ما أن أعمق النقاش معه في الموضوع. وأخيرا، أي تكفير للرجل لا يعدو أن يكون تطرفا من القائل، وضيق صدر بالمخالف. وهو ما لا يضر المعني بالأمر من قريب أو بعيد.