ذاك الرحيل في غسق الليل غسق الليل يجثم عتمته في زنزانة صدري … فامتطت غصاتُه نبراتِ قلبي الرجيف ، حبِسَتْها داخل أسوار الألم ، كأنما هي براعم تفتحت من فحمة الجرح ، فانحدرت شلالا قانيا من عناقيد مهجة قلبي ، يفح بصرخات كسيحة لفَّ بها الذعرُ صمتي … فخسرت معركتي .. ورمتني مجراتُ التيه إلى أقصى حدود هزيمتي … كنتِ يوما سيدتي فجر حياتي .. حلما جميلا من ضي أبراج السماوات .. وفرحي كان يوما دوحةً من شموع كل ميلاد .. وليلي كان يحتمي في سنَى طيفِك فيجذبني سامرا فتمسي ليالي بيضاءَ .. كأنما هي صلوات في هياكل السَّمَر … أنت .. نعم .. أنت .. فيض سماوي .. من جمالك عشق قلبي ألوان الطيف غازلتْ تهاويلَ الشباب في حلة العشق والاختيال .. وأنا مشدوه سيدتي خلف الأسوار أقرأ فيك شفاه الليل يمتص رحيق البدر … قرأت فيك روضة الشروق تتهادى في حلة الصبح فيأتي الصباح جذلانا في رقصة المروج وشامخا في روعة النضوج ، فينفصل عني حسُّ وجودي هائما في كنه أسرار وجودك … قرأت فيك سيدتي .. يوما .. كلَّ ابتكار جديد من ألوان العشق الفريد .. وكلَّ عذب عتيق من تهاويل التورد في لمسات الربيع … قرأت فيك سيدتي .. يوما .. كل جميل .. تناغمت فيه حياتي مع شدو العنادل عاشقةً ثملى بين أحضان الخمائل … وبعد .. ينحدر الماضي في هاوية الذكرى … ويتساقط حس الفرح كأوراق الخريف الممتقعة بصفرة الذبول على حافة الاحتضار المدلجة .. فكانت هي خرافةً تقطع بسيرها داخل غسق الموت .. وأصبح الحاضر ليلا يجثم عتمته في زنزانة صدري .. فلم يبق لي من داخل أسوار محيطي وفي خريطة ذاتي غير نحيبي المتقطع الحبيس يناجي في انكسارٍ دمعي المعتكف بأحداق عيني ، يستحضر ذاك الرحيل في فجر من كل عام جديد … الطاهر الجباري