يحكى ان امراة كانت تعيش في زمان ومكان ما، كانت تعمل خارج البيت، زملائها يعرفون انها امراة قوية تهتم بأدق التفاصيل تحب الاتقان وكيف لا و الله سبحانه يحب العبد المتقن لعمله، مبتسمتا للجميع ، مواظبة هي الاولى من يلتحق بالعمل واخر شخص يغادر. في البيت قليلة الكلام، كل شيء يجب ان يكون مكانه، لا للفوضى، مطيعة لزوجها لدرجة يقولون لها ماذا تفعلين لزوجك حتى يظهر بمظهر الشباب. توالت السنوات فاصيبت بالفشل الكلوي مع المرض الخبيث، تجربة صعبة، خمس سنوات من الغسيل الكلوي، سهلة في الكلام وليس من السهل ان تحياها، كل اسبوع تغسل كليتها ثلاث مرات، خمس سنوات تقريبا سبعمائة و عشرون غسلة بالإضافة الى جرعات الكيماوي، تالمت في صمت وابتسمت لكل من يجيء لزيارتها و بالرغم من التعب والمرض الذي نخر جسمها الضعيف كانت محبة للحياة، في قمة المها حين تعود من الغسيل الكلوي تدخل الى المطبخ كي تعد الشاي لزوجها بعد صلاة العصر، كان حبا حقيقيا لم يفنيه الا التراب. وفي ليلة احست بزكام شديد لازمها ليوم كامل وفي الغد عند مجيىء وقت الذهاب الى العيادة لتغسل كليتيها، لم تقوى على المشي كانت تعلم انه الوداع وفي النهاية ذهبت رغما عنها الى المستشفى واضطر الاطباء الى ابقائها هناك الى الصبح قالوا بعد الغسيل ستصير احسن. وفي السادسة من فجرذاك ا ليوم وهو الجمعة رن هاتف زوجها، لقد اسلمت روحها الى خالقها. هل تعلمون من تكون هذه السيدة، انها امي، نبع الحنان، ماتت دون ان تودعنا دون ان نرى دموع الفراق في عينيها، لا نعلم كيف ماتت ولا من كان معها، من هول الصدمة لم نستطع ان نسال، كان يوما حزينا مليء بالاسى، ليس الحزن على فراقها، فكل منا مودع الى دار البقاء بل حزنا على وداع لم يكتمل، خرجت من بيتها دون ان تعود. مر شريط ذكرياتي مع امي في لحظات وانا اقول امي كم كنت قاسية معنا، كنت دوما توبخينا كي نظهر بمظهر لائق بافعالنا بمعاملتنا للاخرين. ومع مرور السنوات بعد الفراق ادركت ان تلك القسوة كانت حبا ، فمن شدة الخوف علينا من ان تدهسنا الارجل بسبب طيبوبتنا حاولت ان توصل رسالة، ارادت فقط ان نكون جادينا في تعاملنا ليحتاط منا الاخرين فالناس ليسوا سواسية فيهم الطيب وفيهم القاسي من لا يرحم. هيهات يا امي لو فهمتك منذ البداية واتبعت مسارك فانا لا اشبهك، اخذت الدروس في الحياة بعد مماتك وكانني ولدت من جديد، عشت في غربة عن نفسي لم اعد اعرفها فالحياة اخذتني من حضنك وتهت في دروبها وكما قالوا الحياة حزام ناسف، كنت دوما تدعين لي واليوم انا ادعوا لك. لا تخافي يا امي، ساستمر في حياتي ، سارسم البسمة على شفتي حتى وان كان جرحك مازال غائرا، سامشي مرفوعة الراس، ساتعلم من الحياة حتى اصل حيث اريد انا، وداعا امي .