و أنا أتهجى حروفي الأولى في مدرسة الحياة .. أُصبت بهوس التلويح للطائرات التي تحلق فوق سماء قريتنا المنسية ، هكذا كنت أركض حافي القدمين ولعاب أنفي يسيل وفمي يهتف بعفوية قائلا عاش الملك ، اعتقدت حينها بكوني أُأَدي واجبي الوطني فتماديت في تحية الملك و التلويح له كلما شاهدت خط دخان الطائرات الأبيض يلوث زرقة سماء قريتنا الصغيرة دون أن تكون لي نية الحصول على ڭريمة ، وبهذا حملت وسام العياش الصغير بدرجة كيدار و صرت أرْوِى لرفاق الصبا حكاية ظهور محمد الخامس في القمر وعودته من " المونفا " في طائرة أكملت مسيرها بعرقه المبارك بعد نفاذ وقودها ، كنت اقسم بكل ما أوتيت من قوة بأن الفرانساويين الكوفارا وضعوه بين الأسود الجائعة لكنها رفضت أكله نظرا لبركته ، تناسلت براثين هذه الأفكار في خلايا جسدي بعد ولوجي المدرسة فحفظت نشيد " يا ملك المغرب " وصوت الحسن ينادي " " ويصاحب الصولة و الصولجان " ونهاية النشيد الوطني الذي كنت أٌعَذِّبُ حبالي الصوتية و أنا أصرخ صادحا " الله الوطن الملك " .. تعلمت من المناهج التربوية أشياء عن إنجازات الملك و عائلته ونسبه .. وهكذا لقنونا في مادة التربية الوطنية أشياء نمطت عقلي وجعلتني أعتقد أن الوطنية تتجسد في حب الملك و أسرته فقط… مرت الأيام … وبينما أنا أغوص في عالم الحروف عثرت على أشعار درويش و سميح القاسم و فدوى طوقان .. قرأت أرض البرتقال الحزين لغسان كنفاني .. تعلمت معني الوطن على لسان سعيد في رواية عائد إلى حيفا لأدركت في الأخير بأن الملك عايش بينا ولا بلا بينا سواء هتفنا بحياته أم لا.. من هناك أعلنت الثورة على أفكاري القديمة و بدأت أنساب بين روائع الأدب الفلسطيني .. أواخر التسعينات توفي الحسن الثاني .. لم أحزن حينها وكي لا أُثير غضب أمي أوهمتها بأني ذاهب لصلاة الغائب على روحه في مسجد الحي دون أن افعل ذلك ..تظاهرت بالحزن أمام الجميع لموته .. لكن الحقيقة هي أني كنت حزينا على ضياع سلسلة الكابتن ماجد و سينما الخميس و الأفلام الهندية لكون التلفزة لبست السواد و ارتدت جلباب التدين حزنا على الفقيد .. وهكذا دوى صوت مصطفى العلوي وهو يذرف دموع التباكي على شاشتنا الصغيرة … مع توالي السنون ظننت أن مثل أفكاري الطفيلية المتعفنة قد أوشكت على الانقراض .. لكني عندما ضبطت متلبسا في 2006 بمحاولتي للهجرة السرية قصد طلب اللجوء الاقتصادي أشبعونا ضربا في قبو الكوماساريا وبينما كان الجلاد يمارس ساديته علينا كان معظم الضحايا يهتفون عاش الملك وهوما كياكولو العصا فهم تسطا ، ونزيدك ففي سنة 2007 عندما كنت أعرض سلعتي البئيسة على الرصيف .. كان المخزن في أيام الحملة يحجز على رؤوس أموالنا التافهة بسبب احتلالنا للملك العمومي ، و دون أن تُقدم لنا البدائل يتم طردنا من الشارع ، نتجرع مرارة قسوة القانون الذي يحرمنا كسرة خبز جاف وفي خضم عملية التفاوض مع القايد و أعوانه من اجل استرجاع مصدر رزقنا يبدأ الضحايا بترديد عبارة عاش الملك وهوما مضروبا فيهو تا سكتت .. مشهد آخر وقع بالأمس القريب عندما انتفض شخص في وجه آولائك التعساء الذين يحاربون الفقر و الهشاشة في موسم الانتخابات ب 70 درهم فالنهار و كاسكروط وبدأ يسبهم ناعتا إياهم بالكلاب و اللصوص .. أفرغ مكبوتاته ما استطاع لذلك سبيلا زمجر قليلا ثم نظر يمنة و يسرة لتلتقي عيناه مع وجهي .. استغل الفرصة و ابتسم منتشيا بنصره وهو يخاطبني قائلا : هادو غير كلاب عاير فيهوم متخافش قول غير عاش الملك … نزعت نظارتي السوداء باش نشوف قمقومو مزيآآن ونقيت لمو ودنو .. صمت أثناء حديثي وفي النهاية كلَّم نفسه بشيء لم أسمعه حمل نفسه وتوارى بين الزحام … تفوووووو الله يلعن بوها قاعيدا… كبحال ديما : السلاك مع بوحناك وصافي ..