في البداية لم أصدق صديقي القاص نجيب لما هاتفني قائلا: - وداعا صديقي إلى الأبد، لقد انتحرت. قهقهت عاليا ورددت عليه: - ما هذا المزاح السخيف؟ - إنها الحقيقة يا صديقي غلبني الإكتئاب، لم أكن أنا أنا حين شربت سما زعاف، وأمعائي الآن تتقطع. ذقت ذرعا بهذه الذنيا، لا شيء يتغير في حياتي لا جميل يلوح في أفق انتظاري. خاب ظني في كل الحكومات التي تناوبت على بث وعودها بالتشغيل على مسامع أمثالي. بلغت الخمسين ولازلت عاطلا عن العمل، مللت أخذ مصروفي من أمي المسكينة التي باعت كل ما تملك من أجلي. بدأ شكي يتبدد لما سمعته يسعل بشدة ويتوجع فسألته: - وأين هي أمك الآن؟ - سافرت لتحضر بعض المال من أختي. لكنني قررت أن أعفيها نهائيا من إعالتي. وداعا صديقي، أنا الآن أحتضر، ادع لي بالمغفرة على هذا الذنب العظيم. تأكد لي أن قواه تخور فقاطعته: - انتظرني لحظة. ركبت رقم 19 وبلغت الشرطة بالنازلة، وبعنوان الصديق ورجوتهم الإسراع لإنقاذه قبل فوات الأوان. طلبوا مني اسمي وعنواني وحملوني كامل المسؤولية عن هذا البلاغ. أخبر مفتش الشرطة الإسعاف وأحضر - بسرعة - إذنا من وكيل الملك، وانتقل الجميع إلى عين المكان كنت حينها قد هاتفته من جديد كي أترجاه أن يضع أصبعه في فمه كي يتقيأ، لكنه لم يرفع السماعة، حينها أدركت أن الصديق قد مات. أخبرت في ما بعد أن رجال الإسعاف رفقة الشرطة وصلوا بيت الصديقي، تجمهر سكان الحي كي يستقوا مادة لذيذة لنميمتهم. رن مفتش الشرطة الجرس كثيرا، طرق الباب بعنف، لكن لم يأت أي رد فكسروه، ولجوا بيت الصديق ليجدوه خاشعا في تأدية صلاة العشاء، ولما أنهاها، استفسروه عن الأمر، فقال باسما: - انتحاري جزء من قصة أكتبها؛كنت أجرب صدقي فيها وتأثيرها على القارئ عبر صديقي.