هو شخصية مثيرة للجدل والإعجاب، تجتمع فيه صفات تتعارض في من سواه، فهو فقيه ورع تخرج من جامع القرويين، يستمد قيمه العقائدية والسلوكية من السلف الصالح، وآراءه الفكرية من دراساته الفلسفية، ومواقفه الاجتماعية من وعيه السياسي، وتواضعه من طريقته الصوفية، فكان رحمه الله يجمع في تناغم بين السمو في الشخصية، والتواضع في السلوك، مشرق الطلعة، مهيب المظهر، مرن العشرة، طيب الجوهر، يحكي عنه تلاميذه أنه كان حازما في عمله، مرنا في تواصله، مجدا في أداء رسالته التربوية. الأستاذ العلامة أحمد السوسي المرتجي كان يحمل مشعل الفكر التنويري بمدينة القصر الكبير، وكان مصلحا اجتماعيا، يدعو إلى الإصلاح الاجتماعي، والتغيير السياسي، ويساهم بشكل كبير لتوعية المواطنين بقيم الكرامة والحرية والاستقلال، محرضا جيله على التمرد ومقاومة الاستعمار، مارس ذلك بكل جرأة وشجاعة، حيث تمرد على كل الأفكار الرجعية، ودعا إلى التحرر الفكري، ومحاربة التخلف بكل أشكاله، ومحاربة الاستعمار، الشيء الذي كان يغيظ الجيل المحافظ، ويستفز القائمين بسلطة الحماية وعملائهم. إنه من رجالات القصر الكبير الرواد في ميدان المعرفة والفقه والفلسفة، والتصوف والمسرح والتحرر، سخر رصيده الفكري، ونشاطه الاجتماعي، ومنصبه المهني لمحاربة الجهل والتخلف، فنشر الأفكار التقدمية في المجتمع القصري، وفي حظيرة الحركة الوطنية (حزب الإصلاح الوطني)، وقد اعتمد على المنهج الفلسفي أسلوبا للحوار والإقناع في محاربة التزمت في التفكير، والتحجر في المواقف الرجعية في السلوك، كما جعل من المسرح فضاء لتمرير أفكاره التحررية، ومواقفه السياسية، وقيمه الأخلاقية والعقائدية، فقام- رحمه الله– بإخراج عدد من المسرحيات المستوحاة من تاريخ الإسلام، وقضايا المجتمع، وكان يمثل على خشبة المسرح بطل تلك المسرحيات، نذكر منها مسرحية "هارون الرشيد"- "صلاح الدين الأيوبي"-"عقبى المبذرين". وإلى جانب هذا وذاك فقد كان الشيخ الورع والعلامة المتنور والأستاذ المربي أحمد السوسي المرتجي- فيلسوف القصر الكبير- مولعا بجمع الكتب واقتنائها وقراءتها، فاستطاع أن ينشئ خزانة كبيرة، غنية بالكتب والمخطوطات في مختلف حقول المعرفة، وخصوصا فيما يتعلق بعلوم الفقه والتفسير، والتاريخ والفكر الإسلامي، والفلسفة والتصوف. هذا العلامة الجليل، الفيلسوف المتصوف، والفقيه الورع، والأستاذ المربي، والمثقف السياسي ولد بمدينة القصر الكبير سنة 1912 ميلادية، الموافق ل 1330 هجرية، وتوفي بمكة المكرمة بعد أدائه فريضة الحج يوم الأحد 12 ذي الحجة عام 1395 هجرية جريدة عين الشمال / عدد : 25 الخميس 24 أكتوبر 2007 * * * * * رجال تركوا بصمات لاتنسى في ميدان التعليم والمسرح والسياسة