ما الذي أصابني؟ لمَ فقدت السيطرة على أعصابي، وصرت أمشي وأنا ألتفت إلى الخلف؟ يهيأ لي أني أصبت بمس؛ بمجرد أن أكتشف أن هناك من يمشي خلفي يزداد خفقان قلبي، ترتعد فرائصي، وتنتابني نوبة خوف قاتلة؛ فأفترض أن ذاك الغريب سيطعنني من الخلف وأفقد حياتي، فأسرع الخطو، وأحيانا كثيرة أطلق ساقي للريح. بل كلما رن هاتفي أو سمعت نقرا على باب داري أصاب بذعر شديد. دعوني أقص عليكم ما جرى لي ذاك النهار المشئوم: بينما أنا أشاهد تلفزة المجازر التي ترتكب في حق الشعوب العربية على الخصوص، رأيت دما يسيل من الجهاز نحوي، تجمدت أطرافي وكأنني كبلت بحبل "كهرومغناطيسي"، وشفتاي التصقتا بلا حاجة للصق، فلم أعد قادرا على الحركة أو حتى الصراخ طلبا للنجدة. غمر الدم غرفتي حتى التصق أنفي بالسقف حينها شعرت بالاختناق. كنت سأفقد حياتي لو لا ضغط الدم الذي كسر باب داري، فوجدتني أجرف خارجها، فك وثائقي غير المرئي، استجمعت قوتي ونهضت، حينها فوجئت بأن ما حدث لي وقع لكل الناس إذ رأيتهم مبللين دما. وما أن وحَّدنا الاستغراب وقبل أن نتبين حقيقة الأمر، حوصرنا بتلفازات ضخمة لم ندر من أين أتت، تضخ هي الأخرى دما غزيرا، جرفتنا سيوله إلى منازلنا، وأُعدت إلى كرسي لمتابعة مراسيم المذابح وضخ الدماء العربية من على تلفزتي، بعد غفوة .