عزيزتي عبق الزهر: ها هي ذي ليلة أخرى، تضاف الى خريطة الليالي التي أترسم فيها خطاك، أشق قميص رياحك عساي أسحب عمرا، وأجر مائدة تكونين فيها قبالتي بكل أناقتك الباذخة ، وملامح وجهك الدقيقة ونظراتك الحزينة وسحنتك الضاربة في السمرة، مليئة بالقوة والصرامة والعطش الى البوح، ومعك على يمينك تلك الرزم من الغيوم وباقة من حكايات الطفولة العارمة بالسفر والنزق الجميل واحتضار مؤجل لفرحة تولد بين أصابع النهر، وترعى فوق سقوف المطر المائل على أرصفة الخريف. هذه أنت تسطعين في سماء حياتي صدفة لامعة ، شمعة تتهاوى في قعر الروح ،توقد حنايا العمر،وتشعل مرافئ الفصول على مدارا لحياة ودورة السنين. لكم كنت أدهش وأنت تحكين لي قصص الطفولة وأحداث ماضيك البعيد، كنت- وأنت تحكين - أحاول أن أمسك بالخيوط التي توصلني الى سر هذا السحر في عينيك، ولغز ذلك الومض في روحك. عزيزتي عبق الزهر: لكم كانت قصصك صادمة ومدهشة !حتى أني في بعض الأحيان لم أكن أصدق كثير من تفاصيلها. لكنك كنت لا تأبهين لذلك، لأن يقينك بها كان قويا ومتينا لدرجة لا توصف.وكنت أنا بين الشك واليقين أحاول أن أربط بين هذا الارتجاج الذي يحدث لحياتي،وبين تلك الحكايات التي لا تنتهي إلا لتبدأ،ولا تبدأ إلا لتنتهي عند أنفاس البحر وموائد الأرواح المتلهفة للسفر والغرق والموت والنزق الجميل..