منذ زيارتي الأخيرة إلى مسقط رأسي بمدينة القصر الكبير و أنا ألاحظ بعض المظاهر و السلوكات الفريدة لبعض الشباب ، تميزهم عن عديد من بين جلدتهم من المدن الأخرى، و التي اعتقدت أنها قد اختفت منذ ردح من الزمن. لكن و الحال فقد أصبحت بعض هذه السلوكات جزءا لا يتجزأ من "ثقافتهم اليومية " . ترتفع وثيرتها مطلع كل صيف مع ارتفاع درجات الحرارة و اشتداد القيظ اللاسع الذي يدفع العديد من الناس إلى الهروب نحن المدن الساحلية المجاورة بحثا عن لحظة انتعاش بنسمة باردة. فبمجرد وصولي إلى محطة القطار الجديدة قصد السفر إلى مدينة أصيلة، حتى أثارني مشهد مجموعة المراهقين يرتدون ملابس غريبة ، و كأنهم خرجوا للتو من أحد الكليبات القديمة المغني الشهير مايكل جاكسون، غارقون في جدل طويل مع مراقب التذاكر- ذلك الرجل البشوش المستقبل و المودع للمسافرين بابتسامته المعهودة- انتهى بهم الأمر مغادرة باحة المحطة و تكشيرة كبيرة تعلو محياهم. و حسب ما حكى ذالك المراقب الطيب فقد حاول هؤلاء الشبان صعود القطار على الرغم من أنهم لا يتوفرون على تذكرة سفر، بمعنى آخر أنهم كانوا يريدون "السليت" بدون أي خجل يذكر ، و كأننا في اليوم العالمي لمجانية القطار. ليس هذا هو المشكل في حد ذاته، فظاهرة السليت قد تتطور إلى ما لا تحمد عقباه، فكثيرا هي الحكايات التي سمعناها عن ذلك الشاب الذي يختبئ من مراقب التذاكر عبر الصعود إلى سطح المقصورة، فيصطدم بقنطرة أو بأحد أسلاك الهاتف أو الكهرباء ، يسقط على إثرها سقطة مميتة. و أولائك الشبان الذين يصعدون سطح القطار و يبدؤون بالركض هنا و هناك، كأنهم يؤدون أحد أدوار "جون واين" في أفلام الويسترن، ولا يأبهون بالأخطار المحدقة بهم التي قد تكلفهم حياتهم. و لا يقف الأمر عند هذا الحد ، بل و بمجرد اقترابهم من أحد القرى أو حقول البطيخ المجاورة للسكة الحديدية حتى يخرجوا ما في جعبتهم من حجارة و يشرعوا في عمليات "قصف مركز" على أهداف بشرية للقرويين أو المزارعين، تتحول إلى قصف متبادل بين الجانبيين، لا يسلم منها المسافر المسكين، فقد تخترق حجرة طائشة نافدة القطار فتصيب طفلا أو امرأة أو شيخا في مقتل ، و قد تسبب له جرحا غائرا في أحسن الأحوال. هل نحن فعلا في 2012......؟