Tweet قريبا ستعلن الساعة عن الثانية عشرة زوالا، موعد انتهاء العمل بالشركة. انه يوم السبت، يليه يوم الأحد، السبت والأحد وما أدراك ما السبت والأحد، عطلة نهاية الأسبوع التي ينتظرها الكل بفارغ الصبر لا لشيء سوى للشعور بالحرية و البعد عن روتينيات التقيد بمسؤوليات العمل. قمت بختم سجل الفحص اليومي وبعدها أطفئت حاسوب مكتبي، حملت معطفي وحقيبتي ونزلت إلى الطابق الأرضي عبر المصعد حيث وقعت على انصرافي وأخيرا ها أنا حر طليق. أطلقت العنان لسيقاني مسرعا عللني أجد حافلة الباص في انتظاري، بالفعل وكأني على موعد معها، الباص مملوء عن آخره كعادته بشتى أنواع شرائح البشر، ومع ذلك وجدت حيزا بين مستقليه شغلته ملتصقا بين أرداف وخصور ومؤخرات حسناوات يفوح منهن شذى عطر يؤجج نار الشبق في المكبوت، كنت غالبا أتظاهر بلاّ مبالاة حينما تقع يدي (عن غير قصد طبعا) في أجسادهن عند شعوري بأن إحداهن تضايقت مني . محطة بعد محطة إلى أن وصلت لغايتي، وفي طريقي لمنزلي آثرت المرور على باعة السمك المتجولون حيث اقتنيت بعضا مما كان لديهم من (بقايا) سمك وقد امتلأت بشرته بإنزيمات الذباب العفنة، التي ضلت ترعى عليه ردحا من الوقت ولسان حالها يقول " أنا ومن بعدي الطوفان"، لا يهم فمعدتنا اعتادت على كل أصناف الأكل، المتعفنة منها قبل الطرية حتى اكتسبنا ولله الحمد مناعة نحسد عليها من قبل شرائح المجتمع الراقي. المهم وصلت منزلي حيث كانت في انتظاري زوجتي، المخلوقة الوحيدة التي طاقت العيش معي لمدة تفوق الخمسة وثلاثين سنة بالرغم من كل مثالبي حتى أضحت مدمنة على معاشرتي، استقبلتني كعادتها بثغرها الباسم وأخذت ما في يدي وقصدت المطبخ بينما خلعت من على جسمي البذلة الوحيدة المخصصة للعمل، توضأت وصليت الظهر وتسمرت أمام جهاز التلفزيون لمتابعة آخر الأخبار عن ملك ملوك افرقيا و"طزطزاته". بعدما تناولت وجبة الغداء قصدت غرفة النوم لأخذ قسطا من الراحة و طلبت من زوجتي عدم إزعاجي مهما كان. أسلمت نفسي لبارئها ودخلت العالم الذي طالما ترتاح نفسي فيه..-عالم الخيال ألا منتهي، عالم أحلام اليقظة - هنا أجد نفسي بكل مقوماتها، أضع ما أشاء من الأقنعة، أتقمص أي شخصية تروق لي أو أكن لها بغضا دفينا بكل حرية، بدون حسيب أو رقيب، سحنتي المقرفة تختفي تماما. أول ما تبادر لدهني هي يوميات العمل في الشركة التي أعمل بها وكذا المعاملات ألا إنسانية التي أعامل بها من سائر القيمين على إدارتها من مدير وأتباعه. نصبت نفسي مديرا عاما لها، على هيئة شاب في سن الثلاثين ذو شعر أشقر، أفوق "مهند" وسامة وهندما، بذلتي مقتناة من محلات فرنسية، أركب سيارة فارهة وبين ثغري استقر سيجار كوبي الصنع - تماما كالذي اعتاد على شربه مديرنا العام الأصلي- توقفت السيارة بالقرب من الشركة وفُتح بابها الخلفي من لذن الفراش وما إن هممت بأن أطأ الأرض بأقدامي حتى سمعت صوتا: مهلا مهلا، احترس يا سيدي فالأرض مبللة ببقايا المطر و أخشى أن يتسخ حذائك الثمين..كانت هذه الآنسة غزلان مديرة مكتبي (المفترض)، - لابأس يا عزيزتي فلذي الكثير منها. أخدت مني المعطف و الحقيبة وسبقتني للمكتب. الكل كان يقف احتراما لي وخصوصا بدر الدين، المكلف بالموارد البشرية الذي أكن له كرها ككرهي لحياتي البائسة. ها أنا الآن أنتشي وأتلذذ بمنضره الكئيب وهو يقف لي صاغرا وابتسامته الصفراء لا تغادر فمه، مثله مثل باقي الأطر التي طالما بهدلوني وداسوا بأقدامهم القدرة على كرامتي. دخلت مكتبي (المفترض) الفخم واستلقيت فوق الأريكة الوثيرة وما هي إلا هنيهة حتى رن جرس الهاتف: -ألو.. سيدي محمد أنا إلهام، اشتقت لسماع صوتك لقد وصلت لثوي من فرنسا وحجزت جناحا بفندق أطلس تيرمينوس حيث سأكون في انتظارك هذه الليلة، أرجوك ثم أرجوك أن لا تبخل علي بالزيارة. – سأرى يا عزيزتي هل يسمح برنامجي بذلك. كانت هذه إحدى الحسناوات الفاتنات (المفترضات) اللائي يمتن في ذباذيبي. طلبت من الآنسة غزلان أن تلغي جميع ارتباطاتي الليلية حتى أتمكن من العشاء مع الفاتنة إلهام. لدى وصولي الفندق استقبلت من رواده استقبالا (مفترضا) يليق بمقامي، قادوني حيث جناح الحسناء إلهام التي وجدتها (من المفترض) تنتظرني على أحر من الجمر، كل ما تشتهي النفس كان متوفرا، فضاء مخملي مفعم برومانسية تغري بالسهر، موسيقى صامتة، سماط يحوي ما لد وطاب من لحم طير مما تشتهي النفس ودنان خمر من أعتق و أفخم الأنواع تتوسطهم إلهام بكل حسنها وجمالها. أكلت حتى التخمة و شربت حتى الثمالة وفي الأخير استسلمت للنوم. أحسست بيد خشنة تلمزني بكيفية تعودت عليها من قبل، قمت على إثرها مذعورا و سرعان ما تبين لي أنها زوجتي تناولني هاتفي النقال وهي تصيح في وجهي كعادتها – إنه يرن مند مدة. أخدت منها الهاتف اللعين وتفحصت المتصل، لأجد المكالمة صادرة عن الشركة. بقدرة قادر تحولت إلى أنا.....و بصوته الأجش سمعته يخاطبني قائلا: – اسمع أيها النكرة إني أعرف أنك تجيد صناعة الأعذار، ولكن في هذه المرة السيد المدير يصر على حضورك حالا، فهناك ثمة مهمة مستعجلة يجب عليك القيام بها. طبعا إنه اللعين بدر الدين الذي يجيد فن الاهانة و الاحتقار. و الألعن منه هاتفي الحرامي الذي يتلذذ باسترساله لنغمة رنينه المزعجة حينما يتعلق الأمر بأخبار سيئة و كأنه يتشفى بي.