شكل اللقاء الفكري والأدبي الذي أقامته جمعية الشعلة للتربية والثقافة بخريبكة والجمعية الوطنية للأطر المتقاعدة بالفوسفاط، الاسبوع الماضي، احتفاء مميزا بالكاتب المغربي محمد الحسني، وتكريم لمؤلفه الجديد " L'Office Chérifien Des Phosphates De Alfred Beaugé A Mostapha Terrab Comme en témoignage Khouribga" وكان اللقاء الذي اندرج في إطار أنشطة المقهى الأدبي المحلي، والذي أقيم تحت شعار" من أجل ترسيخ دور الكتاب في تخليق الوعي الثقافي والفكري ومن أجل المساهمة في التنشيط الثقافي بالمدينة" نقطة مضيئة في تاريخ الأنشطة الثقافية المتميزة، التي تابعها فيض من المثقفين، والمبدعين والإعلاميين. الكاتب محمد الحسني من خلال هذا اللقاء الحميمي طاف بالحاضرين بطريقة غاية في التشويق والإبهار، بالعديد من المحطات التي بصمت مؤلفه الجديد، الذي سعى إلى كشف النقاب عن الذاكرة التاريخية للمدينة و(لو سي بي) كفاعل اقتصادي قوي، له دور ريادي على مختلف الأصعدة، اليوم وغدا. كما قدم الحسني المشهود له بصداقته القوية والمنفتحة مع مختلف الفاعلين في قطاعات حيوية كثيرة، خبايا الكتاب الذي ضم نحو 260 صفحة من الحجم الكبير، وانجزت غلافه الفنانة التشكيلية فتيحة الشوباني، وعوالم هذا المؤلف الذي يغوص في بحر الفوسفاط القديم بحثا عن المحار. حيث تناول بأسلوب سلس معزز بالكثير من الصور المراحل الجيولوجية والانتروبولوجية، التي قطعها تاريخ الفوسفاط في مدينة خريبكة، منذ الفترة الرعوية حتى الآن. في هذا الإطار، ومن اجل تسليط مزيد من الضوء حول هذا الكاتب الاستثنائي، الاطار بالمجمع المكلف بالانشطة الاجتماعية والثقافية، وكتابه المميز، الصادر عن مطبعة افريقيا الشرق بالدار البيضاء، والذي يفيض بسحر معلومات فوسفاطية راقية وثمينة منذ ألفريد بوجي إلى مصطفى التراب المدير العام للمجمع، التقينا الكاتب الحسني، فاجرينا معه هذا الحوار: س الأستاذ محمد الحسني كيف جاءت فكرة تأليف كتاب حول تاريخ الفوسفاط بخريبكة؟ ج : إن تأليف هذا الكتاب باللغة الفرنسية، والذي احتفي به في الكثير من المناسبات، وهو احتفاء يثلج الصدر، ويدفع إلى التفكير في المزيد من العطاء الفكري والإبداعي، هو ثمرة تفكير عميق، وتاج اهتمام كبير بالمدينة والإقليم والمنطقة برمتها، وبحث تاريخي متمرس حول المنطقة والفوسفاط. ومن ثمة فان هذا الكتاب الذي اعتبره مساهمة بسيطة مني كفاعل ثقافي، يروم التعريف بالمدينة، على اعتبار أن المجمع الشريف للفوسفاط(لو سي بي) ساهم بشكل كبير في تنمية المنطقة في مختلف الاصعدة والميادين منذ اكتشافه، وأكد هذا الفعل الجمعوي المؤثر على الصعيد الوطني في شتى المجالات، حضوره القوي والوازن في كثير من المناسبات الوطنية والدولية، ودوره البارز في تحقيق النماء بشكل عام سواء من الناحية الثقافية والاجتماعية والرياضية ومحاربة الهشاشة والفقر، وغيرها. ومن هنا نعتبر ان(لو سي بي) بالرغم من الاشكاليات المجتمعية الحاضرة والاكراهات في ظل المنافسة الدولية، فانه ما يزال يلعب دوره البارز، والريادي الكبير على مختلف الواجهات من اجل مواجهة مختلف التحديات والمساهمة القوية والناجحة في تحقيق التنمية الشاملة. إذن فالهاجس الثقافي والتراثي والتاريخي للمنطقة، وحب المنطقة باعتباري من أبناء مدينة ابي الجعد التاريخية، هو ما افرز قيمة هذا الكتاب، الذي هو باختصار مرآة حقيقية تفصح عن تاريخ الفوسفاط منذ ظهوره، وتاريخ هذا الإرث الاقتصادي والحضاري، الذي تضطلع عليه مدينة خريبكة والمنطقة برمتها. س هل ترون معي أن حب المنطقة وضرورة إبراز تاريخ الفوسفاط والمنطقة، باعتباركم من أبناء المنطقة ومن اطر المجمع، كان دافعا لتأليف هذا الكتاب القيم؟. ج : المبدع الحقيقي والكاتب الفذ، هو الذي يبدع ويكتب عن الأشياء التي يرى أنها تستحق الكتابة، وتستحق عناء الإبداع، وتضيف إلى المتلقي والقارئ والأجيال المقبلة شيئا مهما، كانت وراء الدخول في مغامرة تأليفي هذا الكتاب، هذا فضلا عن غيرتي على المنطقة والمؤسسة التي انتمي إليها. اعتقد أن كل من قرأ الكتاب وقف عند حقيقة مفادها، أن تاريخ الفوسفاط يستحق أكثر من وقفة تأمل، واكثر من كتاب، من هنا اعتبر أن كتابي يضاف إلى العديد من الأشكال الإبداعية الأخرى سواء كانت مسرحا أو سينما أو شعرا أو قصة أو فنونا تشكيلية للتعريف بالفوسفاط ومنطقة خريبكة. لقد كنت منذ البداية شغوفا بالبحث عن تاريخ الفوسفاط ومراحل تطوره، عبر الحقب، انه سؤال كان يستفز ذاكرتي دائما، فجاء هذا المؤلف للبحث عن أجوبة مقنعة استنادا إلى بحث عميق وطويل ودقيق حول تاريخ الفوسفاط والمنطقة الورديغية، والحمد لله أن الأصداء التي لقيها المؤلف كانت مفاجأة بالنسبة لي، وهذا يشرفني، ويشرف المنطقة برمتها. كما أن انتمائي إلى هذه المؤسسة الوطنية الرائدة، والى المنطقة، نحن كمثقفين وباحثين، وأطر في المجمع، سيكون من المجحف عدم إنصاف المنطقة، والمؤسسة وعدم تغيير الأحكام الصادرة حول هذا الفاعل الاقتصادي الوطني، وبالتالي كان لزاما علي، من ناحية المسؤولية التاريخية والأدبية والفكرية، أن أخوض في البحث عن الأصول التاريخية للمنطقة، والتعريف بها اقتصاديا وثقافيا وسوسيولوجيا، وإبراز المكونات الايجابية والتنموية الرائدة للمجمع، والدفع بالقارئ والمتلقي ليتوفر على معلومات دقيقة، فضلا عن تغيير الأحكام المسبقة والتخلي عن المواقف السلبية، للدفع بهذه المؤسسة الوطنية الرائدة الى لعب مزيد من الأدوار الطلائعية، وبخاصة على المستوى والاجتماعي والثقافي وغيرهما، ويعطي المؤسسة مكانتها الاقتصادية التي تستحقها وتحمل مسؤوليتها التاريخية على المستويين الوطني والعالمي. وبالتالي فان الكتاب الذي أمضيت فيه وقتا طويلا من البحث والتقصي، اعتبره عصارة، وأرضية لإنصاف مؤسسة الفوسفاط، فضلا عن كونه يعد إحدى المحاولات الجادة من اجل إعطاء الجمهور والقارئ بشكل عام ميكانيزمات حقيقية للحفاظ على الذاكرة المشتركة للمدينة خريبكة، كفضاء اقتصادي، أولا، ثم كذاكرة وطنية تكتنز العديد من المقومات الجمالية، التي ترتبط ارتباطا وثيقا بالموروث الثقافي والشعبي وقيم العادات والتقاليد الأصيلة للمنطقة. س وكيف كانت ردود الفعل حيال المؤلف؟. ج : في الحقيقة كل ردود الفعل حول الكتاب كانت ايجابية، وتثلج الصدر، مما يعكس أن المتلقي لم تكن لديه معلومات كافية عن الفوسفاط والمدينة، وكان في حاجة ماسة إلى مزيد من الإخبار والمعلومات، والدراسات والأبحاث عن الفوسفاط. وأضيف أن العديد من المتتبعين للشأن الثقافي والفكري والأدبي والاقتصادي، وجدوا في هذا الإصدار الذي دام البحث فيه نحو عشر سنوات، مادة خصبة ودسمة للبحث الأكاديمي، ومبادرة جادة ومسؤولة في هذا المجال، واعتقد أن الأبحاث التي صدرت حتى الآن في هذا السياق، محسوبة على رؤوس الأصابع، وبالتالي فان المتلقي ما زال متعطشا لمعرفة المزيد عن الفوسفاط الذي اكتشف بمنطقة خريبكة عام 1921، من قبل "كومبيلاس" و" لاموليبير"، وهو الأمر الذي يفتح الباب متسعا أمام الباحثين والمهتمين لمزيد من البحث في تاريخ الفوسفاط ومنطقة خريبكة برمتها. س ما الإضافة الأدبية والجمالية النوعية للكتاب، في ظل وجود العديد من الإبداعات المتنوعة حول الفوسفاط، ومدينة خريبكة من مثل الرواية والسينما، والفنون التشكيلية ؟. ج : اعتقد ان لكل مبدع مجال يبدع فيه، فالباحث التاريخي ليس هو الروائي او المخرج السينمائي، لكننا نلتقي هنا حول تيمة الفوسفاط ومدينة خريبكة، من هنا أؤكد أن هذا المؤلف هو جرد أكاديمي، وبحث ميداني لتاريخ الفوسفاط، ومدينة خريبكةوالإقليم الذي اكتشف فيه الفوسفاط في العشرينيات من القرن الماضي، اقدم فيه بمقاربة سوسيولوجية صورة واضحة المعالم للمنطقة. وبالتالي فإن الكتاب الذي سيثري الخزانة والمكتبة والوطنية، هو أرضية للعديد من الباحثين والطلبة والمهتمين للنبش في تاريخ المنطقة، التي تعد رافدا أساسيا من روافد التنمية المستدامة، على اعتبار أن (لو سي بي) كان وما يزال داعما تاريخيا أساسيا ومحوريا لإنماء وإخصاب مجالات حيوية عدة ثقافية وصحية وتربية واجتماعية وغيرها. س ما قيمة الحضور القوي والوازن للمجمع الشريف للفوسفاط في العديد من التظاهرات المهمة، وفي قطاعات عدة؟. ج : تبرز تلك القيمة، في دعم ومساندة كل الفعاليات الوازنة ذات الرؤية المستقبلية التي تنعكس بالإيجاب على الفرد والمجتمع، إن المجمع الشريف للفوسفاط دائم الحضور والمساندة لكل التظاهرات والمهرجانات والأنشطة الفاعلة والجادة ليس فقط في المناطق الفوسفاطية بل في كل مناطق المملكة، وذلك من اجل ترسيخ مزيد من الإشعاع لبلادنا العزيزة، وإبراز مؤهلاتها التنموية القوية، كمسؤولية تاريخية، فضلا عن خلق دينامية انمائية حقيقية في مختلف القطاعات حتى تعود بالنفع على المجتمع. س حضرتم ضيفا على المقهى الأدبي بخريبكة الأسبوع الماضي، حيث وقعتم كتابكم، كيف كان اللقاء؟. ج : كان لقاء مميزا، حسب شهادة كل من حضر اللقاء، الذي أقيم نزولا عند رغبة أطر متقاعدي الفوسفاط بالمدينة، سواء من حيث الحضور النوعي، أو من حيث الإلمام بما جاء به الكتاب من أفكار ومعطيات. لقد فاجئني اللقاء وقيمة النقاش الدائر حو تاريخ المنطقة والفوسفاط، كما جاء في الكتاب، ومن هذا المنطلق أؤكد انه لا خوف على الجانب الثقافي بالمنطقة والإقليم التي تزخر بالكثير من المواهب في مجالات إبداعية عدة، هذا القطاع الثقافي الذي يوليه عامل إقليمخريبكة الحالي عبد اللطيف الشدالي عناية خاصة، وذلك من اجل الرقي به وجعله يتبوأ مكانة مرموقة. س بعد مؤلفكم القيم، هل تفكرون في الجديد؟. ج : أعتقد أن مؤلفي الأخير، سوف لن يبقى يتيما في الرفوف، بل سيتبعه مولود جديد، والذي سيعالج ويتناول مجموعة من القضايا التي تهم قطاع التنمية من خلال المفهوم الجديد للسياسة الجديدة لمفهوم الجهوية المتقدمة والموسعة، وأتمنى أن أوفق فيه، وان أكون بكتاباتي هاته قد أضفت إلى المكتبة الوطنية شيئا جميلا ومميزا ويساهم في إزهار الحقل الثقافي والتاريخي، وفعل الكتابة كممارسة فنية وإبداعية، وإخصاب القراءة بشكل عام.