محمد باجي «أيور أور ديولين». في منزل ريفي صغير، رتب أغراضه الخاصة في زاوية من إحدى الغرف، وفي البهو سجادتين، وفي غرفة أخرى أغراض غير معروفة اللهم رائحة البخور المتصاعدة. فقيه الدوار «سعدون» لا تراه خارج المنزل إلا في أوقات الصلاة، وقد يكون خروجه ليلا تحت جنح الظلام. طرقت «لالة فضيلة» الباب بعد صلاة العصر وهي تتأبط زربية صغيرة، وفي يدها الأخرى ديكا أحمر تعتريه بعض الزرقة، بينما «سعدون» ربع رجليه وهو يتمتم بكلمات مجهولة، لم تجد معها الضيفة الجديدة إلا أن تردد بصوت متذبذب: «أنا فعاركوم أرجال لبلاد». رحب بها، وأمرها بوضع الباروك على المائدة، ثم طلب منها الدخول نحو الغرفة المجهولة، وهناك لم تدر «لالة فضيلة» أي دوامة دخلت، اللهم فزعها من الحوار الذي نسجه الفقيه مع «شمهروشه» مدعيا أنه الجان العارف بخبايا بنات فضيلة وعكوسهن، متهما إياه باعتقال سعدهن، طالبا منه الكف عن ذلك، ولكي يعطي مسرحيته مساحة ثقة في قلب «لالة فضيلة» كان يجيب نفسه بصوت مجلجل سخر لإحداثه التكنولوجيا الحديثة. وبينما تصببت «لالة فضيلة» عرقا، التقطت أذناها ما خلق في نفسها فسحة أمل، الصوت المجلجل تراخى وتناهى إليها: «عويشة غادي تمشي لتركيا بعد شهر حيت الخطاب جايينها من تما، التايكا سعدها حدو لبلاد ولد المعطي مول البهايم، غنيمة غنيمتها كبيرة مسؤول كبير غادي يتزوجها» العرق ما زال يتصبب من جسد الأم التائهة، ولكن ثمة شيء نسج في مخيلتها سيناريو جميلا، قضية عويشة والأتراك، يا للصدفة أخيرا الحلقة الأخيرة من مسلسل بناتها الشبيه بمسلسلات الترك المدبلجة التي غزت القناة الثانية المغربية، وتاهت بالنساء في فيافي التجهيل. خرجت مهرولة لتلبي طلب الفقيه «سعدون» الذي طلب مزيدا من الباروك، خاصة وأنه أخبرها أن «صحاب الحال» يريدون الذهب والفضة، لم تكلم أحدا، قصدت الصندوق الخشبي بنك خزائنها الذي يحتوي إرث أمها المنقول إليها عبر جداتها، وما اكتنزته هي الأخرى، ملأت كيسا بها، ولم تأخذ نفسا إلا والفقيه قد تنهد تنهيدة العمر، فما جاءت به «لالة فضيلة» يكفيه كي يبدل العتبة في اتجاه قرية أخرى جديدة، حتى لا ينكشف أمره. كرم «لالة فضيلة» ما زال مسترسلا، لقد أعدت للفقيه وجبة دسمة، نقلتها ظهرا إلى مسكنه، قبل أن تجد المصلين يطوفون بالغرف الخاوية. سمعت أحدهم يقول: « لقد غادر الغدار دون إخبارنا»، إذ ذاك أدركت أن الفقيه قد غنم منها، وأن مسلسل بناتها مستمر إلى حين تحرك رادار القدر. أسرت حرقتها ثم استدارت عائدة إلى مصيرها. محمد باجي «أيور أور ديولين».