كان منذ الصباح الباكر، أو بالضبط منذ أسبوع يراقب بعينيه الصغيرتين الجيران وهم يجرون خرفان العيد، تسمر في مكانه وتداعى الثغاء إلى ذهنه، وتذكر مبارزات الافتخار بين أطفال الجيران حول من اشترى أحسن أضحية، وأحسن لباس للاحتفال باليوم السعيد. اليوم عرفة وحميد ما زال ينتظر التفاتة، كل مرة يحاول أن يستوقف فيها أمه وهو يتمسح بقفطانها الباهت بينما تحاول أن تتجاهله، لا تريد أن تكسر وهج الأمل في عينيه، فتبادر إلى القول في ارتباك: «دابا نجيبو الحولي ديالنا أولدي» غابت شمس عرفة والكل قد انزوى بفرحته في سوره الإسمنتي المغلوق، كل الجيران ما عاد يهمهم أمر من تكسرت شوكة الانتظار في حلقه، ولا أمر من لم يبرأ من غصات الأيام الخوالي، فزاد ركاما إليها غصة انتظار أضحية في مجتمع المظاهر والمبارزات الفارغة. طال الانتظار، وعقل الصغير لم يستوعب جفاف القلوب، كيف له أن يستوعبه، وهو ضحية نظام طبقي للأسف الشديد يتغنى بإسلاميته، نظام نال من حق حميد ومن حق الآلاف من أمثاله، وتسانده في طروحه جوقات النفاق على أشكالها. وبينما توغل الليل في إسدال ستاره، تقدم نحو كوخ أم حميد بضعة شباب ومعهم أضحية، لمحها الصغير ومعه أمه في البهو، وطلعت على وجهه ابتسامة عريضة، ثم نطق أحد الشبان قائلا: هذه أضحيتك يا حميد، افرح فما في هذه المعيشة فسحة لمزيد من الأفراح!!! محمد باجي «أيور أورديولين». ارحموا صغارا لا يدرون وقلوبهم سهلة الانكسار.