ألهمت سرعة تنزيل أسس الجهوية المتقدمة الجديدة، وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني، على مواكبة الحركة السياسية بالحركة التربوية الإدارية . فمن حيث الشكل تم العمل على تغيير التسمية للنيابات الإقليمية بالمديريات. فضلا عن وضع هيكلة إدارية داخلية لهذه المديريات باختلاف حجم مواردها البشرية، ورقعتها الجغرافية، وبنية خريطتها التربوية. فيما المستجد الأوفر حدثا ووقعا، هو ميثاق المسؤولية الذي وقعه المديرون الجهويون والإقليميون، بمعطى التعاقد الأخلاقي والإداري مع الوزارة. ميثاق مسؤولية يتضمن مجمل خلاصات المبادئ والقواعد الأخلاقية المهنية التي ترتضي الوزارة فرض التقيد بها جهويا وإقليميا . ويستهدف هذا الميثاق من حيث ثقل و وزن حضور الإشراف على توقيعه من قبل وزير التربية الوطنية والتكوين المهني السيد رشيد بن المختار والوزير المنتدب السيد خالد برجاوي، إلى تكريس مبدأ الحكامة الجيدة، وتثبيت تخليق وترشيد تدبير الشأن العام وربط المسؤولية بالمحاسبة، وكذا الالتزام بمختلف الضوابط الإدارية والمهنية المنظمة للوظيفة العمومية وللقطاع. ميثاق أمطرنا بوابل من المصطلحات الضخمة بالتزاحم والتدافع، التي يطول شرحها لغويا ومعجميا، وإسناد مرجعيتها إلى الفقه الدستوري (دستور 2011) ، وإلى الرؤية الإستراتيجية لإصلاح المنظومة التربوية (2015/2013). وبموجب هذا الميثاق يتعهد مديرو الأكاديميات الجهوية والمديرون الإقليميون بالالتزام بمبادئ الحكامة الجيدة، وكذا الانخراط في تفعيل برامج الوزارة والبرامج الحكومية الرامية إلى ... إصلاح الإدارة وكذا الانخراط في تحقيق أهداف المنظومة التربوية وترجمتها إلى نتائج ملموسة على المستويات الجهوية والإقليمية والمحلية. ويلزم الميثاق المسؤولين باحترام الزمن الإداري والزمن التربوي وتحسين المؤشرات التربوية والعملية وبالتحلي بفضائل الأخلاق ... ويدعو ميثاق المسؤولين إلى نسج علاقة ثقة وتعاون مثمر مع شركاء المنظومة التربوية، والتدبير الرشيد للموارد المالية والمادية المتاحة، وجعل كل استعمال لها معللا ومبررا ومرتبطا بتقديم خدمة تربوية ذات فائدة، في احترام تام للتشريعات والتنظيمات الجاري بها العمل في مجال تدبير النفقات العمومية. ويلزم الميثاق المسؤولين إلى عدم استعمال وسائل الدولة الموضوعة رهن إشارتهم لأغراض شخصية، وتجنب تحقيق أي منفعة شخصية خارجا عن الضوابط والمساطر المعنية الجاري بها العمل أو الحصول على امتيازات من أي نوع كانت ومن أي جهة كانت، خارجا عن المنافع والامتيازات المخولة بحكم القانون. فيما تعهد الموقعون على الميثاق بالتحلي بالحياد التام في كل القرارات والمعاملات الإدارية، وبالحرص على ضمان الاستفادة العادلة والمنصفة والمتكافئة من فرص التعلم بين مختلف المتمدرسين وبين مختلف المناطق الجغرافية التابعة إلى النفوذ الترابي، بالاستناد إلى معطيات الخريطة المدرسية والتربوية. ودعا الميثاق المسؤولين إلى عدم التستر عن أية تجاوزات أو ممارسات تخرج عن نطاق الضوابط والمساطر القانونية، واتخاذ ما يلزم من الإجراءات الفورية التي تتطلبها معالجة كل حالة في نطاق المسؤوليات والصلاحيات المخولة. لا ننكر شكليا بأن ميثاق المسؤولية قد أخرج المنظومة التربوية من الارتجالية الإدارية والتنصيبات التشريفية الريعية، إلى ربط المسؤولية بالمحاسبة، ومن منصب الكرسي الفوقي إلى التكليف الذي يحدد الهدف المراد تحقيقه من كل وظيفة / مهمة خدماتية. لكن مطمح التحول إلى الحكامة الجماعية يقتضي تواجد دفتر تحملات يسع و يجمع كل أدراج القطاع التربوي بشموليتها، حيث التوازي والتقاطع كذلك بين دفتر تحملات الوزارة بتزكية الإيجاب الحكومية، ومن مباركة المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، وآخر جهويا، وصولا إلى الإقليمي بمتم المؤسسات التعليمية . دفتر تحملات يحمل بين طياته النوعية والكمية كمؤشرات واضحة ، وتمفصلات معيارية صريحة ، ويربط المسؤولية بالمحاسبة حول النتائج، والمساءلة الازدواجية بين التثمين من إعمال معايير الجودة، والضبط المرفق بالتعليل والتبرير. ميثاق المسؤولية ذا جمالية هو حق القول، لكن حكمه التعاقدي قل استحسانه من حيث التوقيع الفردي للمديرين الجهويين والإقليميين، في حين كان لزاما التعاقد عليه بوضع بصمة الوزارة الوصية عليه كحجية للتعاقد . فالقاعدة العامة تتمثل في أن العقد شريعة المتعاقدين في التنفيذ بما اشتمل عليه من مضامين ودعامات ورافعات. ويترتب عليه قانونيا عدم النقض أو التعديل إلا بإرادة الطرفين أو لأسباب مثل ما أقره ميثاق المسؤولية في شق فصول التحملات الوظيفية / أو المهمة. ولتحديد خاصيات منتوج ميثاق المسؤولية والإبقاء على العلاقة العمودية قائمة ، فمبدأ الجهوية المتقدمة في شطر الاستقلالية، قد تم تحجيمه وتقييد المديرين الجهويين والإقليميين بقرارات المركز " ...الانخراط في تفعيل برامج الوزارة والبرامج الحكومية " . للوزارة تسويغاتها القاضية إلى القفز عن كل التأويلات في استغلال السلطة التقديرية المركزية، فهي تستهدف ضبط العلاقات وعدم تداخل الاختصاصات في أفق المساءلة، وتربط المسؤولية بالمحاسبة . لكن واقع الحال يقتضي مرحلة انتقالية تتأسس على التوجيه والتأطير، واستيفاء تموضع المصاحبة القبلية قبل المساءلة والمحاسبة . صورة ميثاق المسؤولية سيم تمريرها بحدود المؤسسات التعليمية عبر" نسج علاقة ثقة وتعاون مثمر مع شركاء المنظومة التربوية... بتقديم خدمة تربوية ذات فائدة...". فيما حلة ميثاق المسؤولية حول الالتزام بمختلف الضوابط الإدارية والمهنية المنظمة للوظيفة العمومية وللقطاع، فإنه تحصيل حاصل مادام القانون يحكم المرفق العمومي، وهو في حكم السمو من بنود ميثاق مسؤولية يدغدغ الأخلاقية المهنية. ذ محسن الاكرمين :[email protected]