صادفت قبل أيام صديقة تحكي بحرقة ما تلقته من أناس كانت تحسبهم أتقياء وصالحين. لم تكن العلاقة حبا أو صداقة أو ما شابه بل كانت أعمق من ذلك بكثير... تروي ” قبل ثلاث سنوات كنت ضائعة ... كنت احتاج من يرشدني ... من ينصحني ومن يوجهني...على المستوى الشخصي ، الديني والاجتماعي أيضا…كنت أعاني من فراغ كبير...كنت خائفة جدا من مستقبل يهابه الجميع... من حياة لم يكتب لي أن أجد سندا أو مقربا يشاركني مشاكلي وهمومي…من أناقش معه أفكاري بكل أريحية ... أروي له حكاياتي...أؤمنه على ضعفي وقلة ثقتي. كانت حياتي عادية جدا..كسائر الفتيات في سني ما بين دراسة ومقررات وامتحانات...لم تكن تحمل الجديد أو المميز...كنت أشعر بملل عجيب ينجلي بين أيامها... وكأي طالبة بعيدة عن منزل أهلها شعرت بفراغ كبير كان من الممكن أن يكون مليئا بالمغامرات العاطفية والقصص، لكن أبيت أبيت، ليس خوفا من أحد أومن أي شخص، لم أقبل حفاظا عن صورتي أمام نفسي وأمام الذي الله ينظر إلي ويراقب أفعالي، استحييت استحييت أن أعصيه وأكون كهن، كأغلب بنات جيلي المتشابهات، المستهلكات، كنت أريد أن أحظى بالتميز مع ربي و مع نفسي بعيدا عن نظرة أي كان، كان هذا هدفي وتفكيري. إى حين.. ذات يوم دعتني صديقة لحضور محاضرة دينية لأحد الشيوخ في الكلية. فاذا بي وجدتها فرصة من حيت لا أدري لكسر الروتين ولكي أستفيد ايضا..خصوصا وأن عشقي للدروس كبير جدا..حدث وجاء اليوم الموعود..اتذكرها وكأنها البارحة..كانت بعنوان “حسن الظن بالله”…كانت مميزة و مفيدة. بعد خروجنا أشارت صديقتي انها تنتمي لإحدى الجمعيات..المليئة بالورشات والمحاضرات…أعجبت بما حكت..ودعتني لحضور احدى الانشطة التي كانت ستقام في نهاية الاسبوع..المهم.. أعجبت جدا بالملتقى المنظم..بمحاور الموضوع وبجزئياته..احببته جدا ..احسست بفرح كبير..اخيرا وجدت ما أريد..ما أرتاح فيه..ما يجعلني شخص مفيد..له دور ..يستفيد و يفيد…انخرطت وكان حضوري دائما لجميع الانشطة..انغمست فأصبحت لي حياة جديدة..نضال ..شعارات و اهداف أخدت مكانا ضمن مخططاتي واحلامي.. تعرفت على اناس جدد واصبحت ذات اهتمامات كثيرة و متنوعة..اخترت ان اكون ضمن مجموعة تعنى بالجانب الاعلامي..كونت صداقات كثيرة بفتيات يحملن نفس الهم و الهدف..كان بينهم شباب ايضا..بنية صادقة كنت احسبهم اطهار جدا..لا يقبلون الخطأ بينهم..لا يسمحون حتى..شعرت لمهلة انهم منزهين.. الكل مراقب..الكل يعاقب ان تم اي تجاوز فيما بينهم …كانت فكرة غريبة بالنسبة لي ..فأنا ربيت على دين جميل..كله تسامح..حب..غفران وعفو..اساسه اننا عباد لسنا بملائكة نخطئ و نصيب..نذنب و نرجو الرحمة من الله..نقصر و نستغفر..نستر ولا نفضح..دين تسامح بعيدا عن التشدد و التطرف.. تعلمت منذ الصغر ان الخوف من خالقي فقط واذا بي اجدهم يعبدون اشخاصا بينهم..كانوا نوعا غريبا..يعيرون اهتماما واعتبارا للبشر بينهم وينسون خالق البشر..لا يخطئون خوفا من العقوبة وليس خشية من رب الناس..صورة لم تكن واضحة بالنسبة لي ..حاولت ان افهم..فصديت ..حاولت الاقناع فاتهمت بالانحلال..كان مثل بعضهم بعض الشيوخ..يهبونهم بشكل غريب..بعد أيام ..لم اتعود على الوضع.. ووجدت تناقضا كبيرا بين ما القنته من تعاليم للدين الحنيف طوال حياتي وبين ما “ادعوا” قررت الانسحاب من تجربة لم اكن اعلم عنها الا القليل..من صورة لم تكن واضحة..مزينة ومزركشة بما قرروا فقط ان يكون..فتعلمت الكثير..تعلمت ان وجوه كثيرة غلفت بصورة الدين فكانت العكس..تعلمت ان الصديق الحقيقي هو كتاب بين يديك..تعلمت ديني لنفسي ودين الناس للناس.. هكذا قالت صديقتي..ادركت ان بعض “الملتزمين” هم مجرد صورة..بل هم مثلنا..يخطؤون وينافقون ويكذبون ويوهمون..أدركت ان الحق في كتابه عز وجل وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ..وليس لاحد ان يدلك عليه سوى نفسك ..أدركت ان لا أتخد احدا مثلا أعلى في حياتي سوى “الشخص الذي أريد ان أكونه”.