تعزز المشهد الثقافي مؤخرا بصدور رواية تحت عنوان "رقصات على خاصرة الوجع " للكاتب المغربي عزيز أعميرة عن دار النشر إضاءات بالأردن ، وهي رواية جديدة لا من حيث الزمان فقط، بل من حيث الإبداع ،ذلك أن الكاتب لم يعتمد بشكل كبير على المعايير الكلاسيكية في الكتابة الروائية، مقابل ذلك تعتمد الرواية على الطريقة الإستعارية الموغلة شيئا ما في التجريد قصد إجبار الواقع على الإفصاح عن مكنوناته بطريقة تعتمد كثيرا على اللمسات الأدبية والشعرية، سعيا منه للقبض على المعنى المتشظي وراء سطور متلاشية تعتمد بشكل كبير على ذكاء القارئ لأجل إعادة تركيب النص من جديد وفق ما يلائم معيشه وواقعه . في هذا الحوار يضئ لنا عزيز أعميرة الكثير من القضايا في المتن الروائي، ويفسر لنا أبعادها الثقافية والأدبية وكذا الخيار الاستراتيجي في الكتابة. س : أصدرت لك مؤخرا رواية تحت عنوان " رقصات على خاصرة الوجع " هل من الممكن أن تقدم نفسك للقراء؟ ج : عزيز أعميرة من مواليد سنة 1984 بمدينة امريرت الأطلسية، درست بالمدينة نفسها حتى حصولي على شهادة الباكالوريا تخصص آداب التحقت بالجامعة بمدينة مكناس سنة 2003 لأدرس شعبة الجغرافيا حصلت على الإجازة وبعدها عدت الى مدينتي اشتغلت كمراسل صحفي لجريدة الرأي الصحفي بمكناس، وكذلك بمدرسة خصوصية، حصلت سنة 2007 على باكالوريا ثانية في الآداب عدت الى الجامعة من جديد شعبة الآداب هذه المرة درست سنة واحدة بعدها كانت هناك فرصة لمغادرة الوطن في اتجاه الولاياتالمتحدةالأمريكية سنة 2009 س : مالذي دفعك للكتابة ؟ هل هو إختيار وجودي ناتج عن الهامش الجغرافي الذي تنتمي له ام هو إختيار أكاديمي؟ ج : هذا السؤال استوقفني على أول لحظة قررت فيها الكتابة وهي لحظة حرجة كانت جملة من الأسئلة تطرح نفسها في مخيلتي خصوصا، وأنا المح ذاك الواقع الذي وجدت فيه نفسي بين أحضان الهامش وما يؤول إليه هذا الجزء من خارطة الوطن من تهميش ممنهج، وبالتالي كان للهامش كنوع من الاختيار الوجودي الدور الأساس في هذا الاختيار، فكما يقال أينما يوجد الهامش تجد اللذة فكانت لذتي من هذا الهامش الكتابة. س : ما سر في اختيار العنوان " رقصات على خاصرة الوجع " أليست فيه ايحاءات جنسية لأجل الإغواء بالقارئ في متن الرواية ؟ ج : خاصرة الوجع عنوان إن شئنا فلنسميه إيحاء لمتن النص الذي تفح منه رائحة الهامش، حيث نجد هذا الهامش كثيرا ما يوشح من طرف البعض بجملة من اللعنات والسب والشتم ومجموعة من الألفاظ ما تحت الحزام إذ أن هذا الهامش كثيرا ما ينجب واقعا مرتدياً واقعا رديئا حيث يصدر الدعارة إلى مجموعة من المدن الأخرى، وهذا لا يعني في حد ذاته إلغاء هذه الصبغة عنها نفسها فذاك واقعنا وجب التحدث عنه بمصداقية وبالتالي الجنس ظاهرة لا يمكن إلغاؤها عند حديثنا عن الهامش بصفة عامة والعنوان مجرد إيماء لذلك قصد أن يتسنى للقارئ فك جل الرموز التي تشتغل بها الرواية. س : أليس هذا الهامش الذي تصدر عنه هو الذي دفعك إلى التمرد على قواعد المتن الكلاسيكي في كتابة الرواية؟ ج : طبيعة الواقع هو الذي يفرض طبيعة الكتابة هذا الواقع الهامشي هو الذي جعل مسار المتن الحكائي يأخذ الاتجاه الذي هو عليه، قصد فضح تلك الهامشية في قالب أدبي يتجرد من كل القواعد المتعارف عليها في كتابة الرواية الكلاسيكية، عن طريق تكسير البنيات القديمة في التعاطي مع جل ما يعتري واقعنا من تناقضات في جل تفاصيل الحياة اليومية، فلكل واقع آلياته الخاصة في الكشف عن جزئياته. س : ألا تخشى من نقد النقاد بخصوص تجنيس العمل، من حيث أنه قريب شيئا ما من الخواطر وبعيد عن قواعد الكتابة الروائية المتعارف عليها ؟ ج : عندما تعد نصا معينا للنشر فإن ذلك يعني أن أبواب النقد قد فتحت في وجه الكل، وذلك يعني لي الشيء الكثير، خصوصا أن هذا العمل هو الأول في مسيرتي، وقد كتب له النشر في دولة الأردن مع الإشارة أن هذا النص كتب منذ ثلاث سنوات، بمعنى كان جاهزا للنشر منذ سنة 2010 ولم يكتب له النشر حتى هذه السنة -2014. و عودة الى سؤالك عن النقد فقواعد الكتابة الروائية في جل أطوارها ليست شيئا مقدسا في الإفصاح عن واقع معين يبقى الرابط بين جل الخطوط العريضة لهذا النص هو رابط الزمن بالحبكة الروائية، وبين هذا وذاك هناك تفاصيل لن نفصح عنها بالشكل الذي أردناه إلا بتكسير المتعارف عليه ، بل والتمرد عليه أحيانا قصد إيصال رسالة معينة خصوصا إذا كان ذلك من الطابوهات التي يرفض المجتمع الحديث عنها وتجاوزها في ظل احترام المقدس. س: ما علاقتك بالسارد في الرواية ؟ وهل هناك مسافة فاصلة بينك وبين السارد ؟ ج : إذا لاحظت معي في جل أطوار النص الروائي، السارد مرة يظهر ومرة يختفي وهي علاقة وطيدة وإلا كيف يمكن القول بأنني من ذاك الواقع، فالمسافة الفاصلة بيني وبين السارد ليست شاسعة إلى حد ما وإنما يفلصها المتن الحكائي وطبيعة الحدث بين الزمان والمكان. فالحديث عن علاقة الكاتب والسارد في الرواية هو حديث عن علاقة جدلية بين الكاتب والقارئ يتم فكها اثناء تمكن هذا الأخير من الإمساء بالمخفي وراء سطور النص. س : لماذا اخترت الطابع الاستعاري الأدبي عوضا عن بناء المحكي عن طريق شخصيات قريبة من معيش القارئ وواقعه المرّ البئيس؟ ج : الطابع الاستعاري للنص بصفة عامة يحتمل قراءات متعددة من طرف القارئ، لذلك عمدت إلى هذا النوع من الكتابة بدل لغة مباشرة والاعتماد على شخصيات بعينها، لطبيعة التيمات التي ينتقل بينها الحكي، وربما لكون النص موجه إلى طبقة معينة من القراء الذين سيتسنى لهم فك جل التأويلات الاستعارية والرموز والإيحاءات كذلك. س: هل تبتغي من الرواية تبليغ رسالة محددة ومعيّنة؟ أم أنك تنتظر ذكاء وفطنة القارئ قصد تشكيلها؟ ج : إن الحديث عن النص الروائي بصفة عامة هو حديث عن أدب عميق قد يحوي جملة من الأجناس الأروع بما فيها القصة والشعر والمسرح إلى غير ذلك، فمجمل القول في الرواية قد يختصر في بضع سطور لكن تبقى أهمية القراءة هي التي سوف تسعى إلى إماطة اللثام عن المسكوت عنه أو المرموز اليه هنا تظهر فطنة القارئ في القراءات المحتملة / المتعددة في فهم النص الروائي، حتى ولو كان هذا النص لا يخضع لما هو متعارف عليه أثناء الكتابة الروائية، ربما خرق كما سبق أن قلت ولكن ليس هناك شيء مقدس بالنسبة لي في بناء نص روائي حتى نعطي للكتابة طابعها الذي تستحقه، بل هناك ما يفرض علينا ذلك ألا وهو طبيعة النقاشات الدائرة ومنه طبيعة الواقع. س : غالبا ما يقال أن الكتاب الأول هو بمثابة خطيئة أولى للمؤلف، يسعى في ما بعد للتكفير عنها بأعمال أخرى، ما تعليقك على هذا القول؟ ج : ربما هذه المقولة يراها البعض صحيحة إلى حد ما لكن لا أراها كذلك لماذا أولا لأني اشتغلت على تلك الصفحات ما يفوق ثلاث سنوات / هذا لا يعني أقدسه / بل لا اعتبره خطيئة بمعنى النص عندما تحاول جملة من الأحداث أن تحرك شيئا ما بداخلك قصد الإفصاح عن واقع معين واقع الهامش، طبعا لا يمكن أن نقول عن ذلك كله أنه خطأ وإلا لما كان هناك وجود لهذه الكتابة أصلا . أما الحديث على كون الأعمال الأخرى ما هي إلا تكفير عن تلك الخطيئة فهو عكس ذلك الأعمال التي تلي العمل الأول هي مكملة لمشروع أدبي مستقبلا. - كلمة أخيرة: أشكرك على هذا الحوار الشيق في انتظار ما ستجود به قريحة القارئ من قراءات وانتقادات سيتسنى لنا النقاش بصددها في المستقبل القريب شكرًا لكم.