راكمت القضية الأمازيغية تجربة نضالية متميزة وراقية، رغم محاولات التشويش التي تطالها وتطال مناضليها كما تطال الرأي العام بصددها، من طرف جهات رسمية لا هم لها سوى العمل على إظهار القضية على أنها جور في استغلال "الحريات" الوهمية التي تدعي هذه الأخيرة أننا نتمتع بها، وتتهمها بالعمالة لمساعي أجنبية، ليتحول نضالنا هنا إلى محاولة لإثارة الفوضى وتهديد استقرار البلاد وإذكاء نار فتنة وهمية تشتعل نيرانها في مخيلاتهم لا غير. سعى النضال الأمازيغي بالمغرب إلى مطالب شتى وسطر مساعي كثيرة، منها ما تحقق ومنها ما يراهن على بلوغه مستقبلا بتكاثف جهود المناضلين الأحرار و المتعاطفين مع القضايا العادلة في كل بقاع المعمور. كانت الحركة الأمازيغية ولازالت بشقيها الجامعي والجمعوي وفية للثقافة والهوية الأمازيغيتين وحققت مكاسب جد مهمة كانت ضمن طموحاتها التي صارعت من أجلها الفيالق العروبية و جحافل الأصوليين المتزمتين والراغبين في إلحاقنا بأزمنة خلت وانتهت لحسن الحظ. كسرت شوكة كل هؤلاء بعزمها على تحقيق العدالة وإعادة الاعتبار للأصول الأصلية للمغرب الحبيب، في أفق تحقيق تكافئ كلي لحضور كل الثقافات الأصلية والوافدة على المغرب. بالرغم من كل هذا ينظر البعض إلى الحقل النضالي الأمازيغي على أنه مجال لممارسة التفرقة العرقية والثقافية، بالإعتماد على معطى كون الخطاب الأمازيغي يتناول اللغة والثقافة الأمازيغيتين بشكل أساسي، و يعتقدون أنه "يغفل متعمدا" باقي المكونات العرقية والثقافية المغربية خاصة والشمال إفريقية بشكل عام، متناسين أن النضال المبني على المبادئ والقيم الكونية، والذي تنهجه أصلا الحركة الأمازيغية سواء داخل أسوار الجامعات في صفوف الطلبة، أو خارجها كنسيج جمعوي ثقافي، يسعى من خلال المطالبة بعدالة التعاطي مع القضية الأمازيغية إلى تحقيق عدالة شاملة لباقي مكونات الشعب المغربي بشكل ضيق، والشمال إفريقية بصيغة أوسع. يقودنا هذا الطرح إلى القول بأن الفهم الضيق للقضية الأمازيغية ومطالب مناضليها الشرفاء، وجهل جوهر الثقافة الأمازيغية وربما جوهر الثقافة بشكل عام، لا يمكن إلا أن ينتج هذا النوع من المواقف والآراء التافهة و الرامية إلى تحطيم قيم النضال العادل والمشروع، وتعتيم صورة الحقيقة الواضحة، وجهة النظر هذه لا يمكنها إلا أن تنكسر أمام مشروعية القضية الأمازيغية التي خسرت الكثير لتكسب أكثر، ونادت بالحرية من أعالي جبال ألبان بإيميضر و تيلمي وأنفكو، كما تعالت نداءاتها من وراء أسوار الجامعات داخل زخم المدن المغربية التي تتستر "حضارتها" على تجاوزات لا أخلاقية كثيرة، تلك المدن التي تأكل من عرق جبين من يصفونهم تهكما ب"الشلوح"، تلك المدن التي يتمتع أصحابها بصلاحيات وامتيازات على حساب أولي الأولوية، تلكم هي حالة المغرب، دولة الحق والقانون ودولة المؤسسات. لنخلص في النهاية إلى أن عدالة العلاقات التي تربط بين المواطن وبين الدولة هي الضامن الأساسي لحرياته وحقوقه و ملزمته بواجباته تجاهها وتجاه الوطن، وعندما تتعطل هذه العلاقات بسبب أو بآخر، فإن الفرد وإن كان يؤدي واجباته فقد لا يتمتع بحرياته وحقوقه داخل هذا النسق المجتمعي السياسي والثقافي، والعكس أيضا صحيح، فإخلال الفرد بواجباته تجاه وسطه ينتج بالضرورة اختلالا في هذه العلاقات لنكون أمام فوضى عارمة لا يمكن أن يتقدم معها الوضع. ومن هنا لا يسعني إلا القول بأن مستقبل القضية الأمازيغية يتوقف على مدى عزم مناضليها ومعقولية مواقفهم ومشروعية مطالبهم، لأن الرهان اليوم يتجاوز رهان الماضي ، ومطالب اللحظة أوسع من مطالب الأمس. بقلم:مجاهد موحى [email protected]