ليست كتابة اليوميات ونشرها بالتقليد الأدبي الجديد طبعاً، اذ لطالما اودع الفلاسفة والكتّاب والفنانون والمفكرون الأوراق حياتهم واحلامهم وهواجسهم واعترافاتهم، على غرار جان جاك روسو وفرانز كافكا وجوليان غرين وأناييس نين وجان بول سارتر وغيرهم. ولكن، ما الذي دفع هؤلاء الكتّاب، وما زال يدفع آخرين كثراً، الى سرد قصصهم وذواتهم؟ أتراهم استعرائيين يتوسلون جمهورا ام نرجسيين يبحثون عن معجبين، أم الإثنين معاً؟ هؤلاء "الحميميون"، كما يسمّيهم البعض، هل يتعرّون للفت الأنظار أم لطرد أرواحهم الشريرة؟ هل يجدون في كتابة الذات علاجا أم سلاحا، كرسي اعتراف ام عرش تكريس، أداة للترويج أم لتصفية الحسابات؟ وبعد، أهي انتقامٌ وتحدّ ام تعويض وعزاء، تفاخر ووعظ أم تواضع وامحاء؟ والأهم، هل يستطيع الروائي أن يتملّص من أناه الروائية التخييلية، فينقل حقيقته بلا تمويه ولا إضافات - أكانت هذه "التنقيحات" مقصودة ام لاطوعية؟ تلك هي التساؤلات التي لا مفر من ان تراود كلّ من يلقي نظرة على الإصدارات الحديثة في الساحة الأدبية العالمية، اذ تشهد هذه في الوقت الحاضر "عجقة سِيَر" ذاتية، بعدما عمد عدد من الأسماء الأدبية اللامعة الى إصدار مذكراتهم اخيرا في بلدان ولغات مختلفة، على غرار الكولومبي غبرييل غارثيا ماركيث والأميركي جيم هاريسون والإيطالي دييغو كودجيا والفرنسي جان دورميسون، على سبيل المثال لا الحصر. وكل واحدة من تلك السير هي ذات طابع خاص، كل واحدة منها تملك نكهة لغوية وسردية مميّزة، إذ في حين ينحاز ماركيث الى مزج الخيال بالواقع، يفضّل هاريسون ودورميسون الصيغة المباشرة الصادمة، بينما يعتمد كودجيا من جهته السيرة المموهة والمواربة والمحجوبة وراء شخصيات وسيطة. كل ذلك فضلا عن كتب اليوميات "الفضائحية" التي تروي الأنا الجنسية وباتت تتكاثر اليوم بسرعة الفطريات، والنزعات السائدة والصرعات الجديدة في هذا النوع من الكتابة. فلم يعتبر جميع هؤلاء أن ذواتهم جديرة بأن تُروى، وهل تطغى أناهم الأدبية على أناهم الواقعية وتجمّلها، أم أنها تمسخها وتقتلها وتلغيها؟ تعدّدية الذات التي لا تحتمل يقول بول فاليري : "أن نكتب يعني أننا في حاجة الى الآخر"، وثمة في الواقع من يؤكد أن الروائي يكتب نفسه مرارا وتكرارا على مرّ قصصه، وبذلك تكون رواياته أقنعة متنوعة لسيرة واحدة مكتوبة باساليب غير مباشرة ومن منظارات مختلفة. إلا أن السيرة الذاتية المباشرة، إذ تساعد الكاتب ربما في اكتشاف ذاته أو التخلّص من "عبئها" والتحرّر منها أحيانا، ليست بالضرورة يدا ممدودة نحو الآخر ضد الموت والألم والوحدة، على ما يصفها فاليري، ولا هي دائما مرافعة من باب الدفاع عن النفس مثلما استخدمها بعض رجال السياسة لدرء تهم ألصقت بهم، على غرار ما فعله النائب الإيطالي غويدو لورنزو او الرئيس الفرنسي الراحل فرنسوا ميتران وآخرون. فالسيرة كتابة "خطيرة" وقرار جريء ينطوي على مجازفات كثيرة ليس أقلها تهمة الأنانية وجنون العظمة واستعراض الذات. وصحيح أن بعض أدباء الحداثة عملوا على تجديد مفهومها من خلال "اختراع" حقيقتهم الخاصة المرنة، بعيدا عن السردية الخطية والواقعية الجافة ونبرة الغرور، وذلك بأساليب تراوح بين المونتاج والاختلاق وصوغ مستويات مختلفة للأنا، إلا أن هذا أدى من ناحية اخرى الى تحويل البعض حياتهم اسطورة، وشكّل نوعا أدبيا جديدا في رأي النقاد، وقطيعة نهائية مع اسلوب روّاد السيرة. وفي معرض الحديث عن الروّاد، ولكي نسترجع بعض محطات تاريخ هذا النوع الأدبي، لا بدّ أن نعود الى "اعترافات" جان جاك روسو الشهيرة. فروسو، الذي كان يشعر انه مكروه ومحارب ومحتقر، سعى من خلال سرد قصة حياته وكشف اكثر تفاصيلها العائلية والعاطفية والإجتماعية حميمية، الى الدفاع عن نفسه والتوصل الى حقيقته كإنسان مجرّدا من أي اقنعة. وقد سار كل من ستندال وشاتوبريان على خطاه، واستمدا منه القدرة على البوح الأقصى بالذات: في قوتها كما في ضعفها، في خيباتها كما في آمالها، وأيضا وخصوصا، في توهجها ونبلها كما في دناءاتها. أما ابرز محطات القرن العشرين في هذا المضمار، فهي من دون شك يوميات فرانز كافكا وجان بول سارتر ومارغريت يورسنار. ففي سيرته الصادرة تحت عنوان "يوميات"، عبّر كافكا، وهو الكاتب-اللغز، عن حقيقته بصدق شرس لا يرحم، ففتح لنا بابا الى عالمه واحلامه ومشاعره ونضاله ككاتب، وهي سيرة تشبههه في انها على غراره محمومة وهجسية ومتوترة احيانا الى حد لا يُحتمل. أما سارتر، فقد خرج في "الكلمات" (1964) على نمط السيرة الذاتية التقليدية وسعى من خلال كتابة حياته الى دفن ماضيه وطرد اشباحه واضعا مسافة موضوعية بينه وبين ذكرياته ونفسه. انها سيرة قاتلة وهجومية، لا استذكارية ومحيية، سيرة من يرمي نفسه في الهاوية ببرودة بدلا من ان يكتفي بوصفها عن بعد، الى حد أن القلم فيها غدا مكشطة، لا بل سكين "هاراكيري". أما الكاتبة الأميركية-الفرنسية مارغريت يورسنار، المرأة الاولى التي اقتحمت ابواب الاكاديمية الفرنسية، والتي يحتفل العالم هذه السنة بالذكرى المئوية لولادتها (1903) فتقدّم في ثلاثيتها "متاهة العالم"، المترجمة الى لغات عديدة منها الايطالية حديثا، سيرةً ذاتية تبدو تقليدية للوهلة الأولى، مفصّلة كالبيان أو الأرشيف، تتساءل فيها الكاتبة عن هويتها وجذورها. إلا ان الطبقات المتراصة من الذكريات والأحداث تترافق مع تأملات في الحياة والوجود والذات، فتمتزج سيرة الكاتبة بفلسفتها، مما يحول دون وصف السيرة ب"كتابة الأنا" في شكلها التقليدي. ثمة في الواقع رابط عضوي وجوهري بين فردانية يورسنار وشبكة العلاقات والتجارب التي تصوغ شخصيتها، والحصيلة ذاتيةٌ تراكمية ومركّبة، متموجة ومتقلبة، غير مطمئنة الى حقيقتها، تحدد نفسها في تبعثرها وتعدديتها، وتشكّل تقاطعا بين نظرات الآخرين ونظرة الذات: كثيرة هي الحيوات التي تشارك في هذه الأنا، حيوات موزعة في جميع أنحاء المكان والزمان، مما يجعل سيرة يورسنار محاولة لإلقاء القبض على افتراضية الحاضر وتعددية الماضي في مزيج غنيّ ومربك على حد سواء. عاش ليرويها أما على صعيد الإصدارات الحديثة، فقد نشر الكاتب الكولومبي الحائز جائزة نوبل للآداب عام 1982 غبرييل غارثيا ماركيث أخيرا الجزء الأول من ثلاثية سيرته الذاتية تحت عنوان "أن نعيش لنرويها"، سائرا بذلك على خطى خورخيه لويس بورغيس الذي أصدر سيرته لبضعة اعوام خلت. والكتاب نوعٌ من الذكريات الممزوجة بالتخييل، وإعادة نظر في الوجود تختلط فيها الفانتازيا بالواقع فتؤثث الصمت عوض أن تعرّيه وتكثّف الضباب بدل أن تشقّه. نجد فيها أعوام طفولة ماركيث وشبابه وتاريخ عائلته والشخصيات والقصص التي سكنت خياله وواقعه ورواياته وخطواته الاوالى في عالم الصحافة والكتابة، فضلا عن اشارات الى أعماله الكبرى على غرار "الجنرال في متاهته" و"مئة عام من العزلة" و"الحب في زمن الكوليرا" و"خريف البطريرك" وغيرها. أما حبكتها فتطوّرٌ ذو ايقاع متصاعد لكنّه يتحاذى في الوقت نفسه مع نقيضه، اي الفوضى والتخريب والتسلسل الإعتباطي، فيتقدم ويرجع في الزمن احيانا في ذهاب واياب بين الاستشرافي والاستعادي. والكتاب ايضا رحلة في متاهة الهوية والتاريخ الكولومبي والحرب الأهلية العنيفة، وبهذه الرحلة أنقذ ماركيث السيرة من بعدها الاستعراضي المحض ومنحها طابعا فلسفيا وسياسيا وثقافيا ولغويا ونفسيا واجتماعيا، تماما كما منحها مثلما ذكرنا دينامية بنيوية في السرد من حيث عرضه الأبعاد المرافقة لحياته بنسيج غير تقليدي. في سيرته، يتبنى ماركيث- أو "غابو" كما يسمونه- غموضا يكشف وواقعية تلغّز، فيفكك عالمه ويعيد تركيبه على طريقته، وبدلا من تحويله المستحيل محتملا كما في رواياته، يمنح الحقيقة طابعا لا يصدّق، وما ذلك سوى الوجه الآخر لصدقية المبالغة، أي لتوقيعه الأدبي الخاص. لم يتخل الكاتب اذا عن "واقعيته السحرية" وعن نهجه في تخييل حياته وعائلته ومسقط رأسه وشخصيات المقربين منه، ولكنه يفعل ذلك الآن باسلوب مباشر من دون ان يستعين بشخصيات وسيطة. ويستدرج القارىء الى نوع من التورط العاطفي من خلال قصص مؤثرة على غرار طفولته مع جده في القرية، وعلاقته بوالده الذي لم يفهم قط شغف ابنه بالكتابة. وقد اعترف ماركيث سلفا بأن حقيقة الانسان نسبية ومتعددة، وتشبه صندوقا مليئا بالقصص الحقيقية والغريبة في آن، لذلك لا حاجة للإختراع حقا. وهذه هي المرة الاولى يتواجه فيها الكاتب مع نفسه ك"موضوع"، فيعيد خلق عالمه من التكوين الى الابوكاليبس، ويفسح للأسطورة أن تنساب في تلك الحياة ولكن من دون ان تخرج على سيطرة الواقع. ورغم اعتماده صيغة المتكلّم، إلا أنّه لا "يتدخل" في حياته بل يتركها تمر امامنا بمعزل عنه، اي انه يحرر ماضيه من حاضره ويمنحه كيانه الخاص. إنها في اختصار عودة الى نقطة البداية في حلقة ماركيث العجائبية! وإذ يؤخذ على غابو، الذي لطالما دافع عن الحرية وحقوق الانسان، علاقته المتينة بفيديل كاسترو، فإن هذا يبادله في الواقع الودّ والإعجاب الى حد دفع البعض الى القول إن ماركيث يكرر مع الديكتاتور الكوبي الخطأ الذي ارتكبه بابلو نيرودا مع ستالين او عزرا باوند مع موسوليني. والغريب أن رؤية الكاتب الرومنطيقية والطوباوية عن الثورة الكوبية لم تهتز طوال هذه الأعوام، في حين تبرأ منها عدد كبير من مثقفي اميركا الجنوبية بسبب نظام القمع والتمييز والقيود المفروضة على حرية التعبير. وقد كتب فيديل مقالا عند صدور سيرة "صديقه" يقول فيه: "عندما قرأته لم تترسّخ رغبتي في ان اكون كاتبا في حياتي التالية فحسب، بل في ان اكون تحديدا كاتبا مثل غارثيا ماركيث، رجل الغد هذا الذي نشكر له عيشه تلك الحياة حتى يرويها لنا". انتقام أو تمويه؟ أما اذا حدّقنا مليا في تجربة الكاتب الاميركي المولود في ميشيغان جيم هاريسون، الذي نشر سيرته أخيرا تحت عنوان "على الهامش"، وهي سيرة تُرجمت ايضا الى الفرنسية منذ بضعة ايام، فسنقرأه يعلن: "لست أكيدا من انني مجهّز لقول الحقيقة"، وهي جملة تلخّص ربما كل ما يمكن ان نقوله عن الكتاب وكاتبه. وقد لفت هاريسون، الذي غالبا ما يقارَن بهمنغواي، أنظار المجتمع الأدبي منذ نشر مجموعته الشعرية الاولى عام 1966، الا انه شخصية ملتبسة للغاية ويصعب تأطيرها، اذ كتب في الرواية والشعر والسيناريو والبحث والنقد الادبي ونقد المطاعم، وهو التباس ينعكس طبعا على سيرته: سيرةٌ ذات نسيج عنكبوتي، حافلة بتفاصيل عن طفولته الكئيبة، شقائه، ادمانه الكحول، ووجوه شغفه المتعددة. وهو يستكشف من خلالها ماضيه ويحلل المنعطفات والخيارات التي جعلت منه ما هو عليه. لكنه يتصادم فيها ايضا مع العالم وينتقم منه بمرارة لم يخفف الزمن من حدّتها، وهي استفحلت فيه منذ فقد عينه اليسرى خلال حادثة وهو لم يتجاوز بعد السابعة من العمر، مما أغرقه في دوامة من اللإكتئاب والإنهيارات. نرى هاريسون، صاحب روايتي "أساطير الخريف" و"دالفا"، منحنياً على حياته بفضول العالِم، ساخرا لاذعا على عادته، لكنه هشّ ومحطم أيضا، متأرجح بين حافتي الكبرياء والانكسار، مقدّماً لنا سيرة ذاتية تخترق وتدغدغ على حد سواء. من جهة أخرى، أصدر الكاتب التشيكي الأصل والمقيم في باريس ميلان كونديرا أخيرا رواية تحت عنوان "الجهل" عن دار "غاليمار"، وهي رواية اثارت جدلا واسع النطاق لأنها كتبت أصلاً بلغة "وطنه الثاني"، أي الفرنسية، ولكنها صدرت في فرنسا بعد ثلاث سنوات على صدور ترجماتها في لغات أخرى. و"الجهل" شهادة على مواضيع الغربة والحنين والجذور والمنفى، في بنية مختلفة عن الهيكلية التقليدية للرواية اذ ينتقل فيها كونديرا من صيغة المتكلم الى صيغة الغائب، حتى لتبدو في بعض مقاطعها شكلا من اشكال السيرة الذاتية. وهذه خانة يتهرّب منها الكاتب، رغم إجماع كثر عليها بسبب التشابه بين ظروف الرواية وشخصياتها وتلك التي كوّنت حياته. ولهذا لا يسعنا الا أن نتساءل ما اذا لم يكن كونديرا يتخفى في "الجهل" وراء شخصياته، ويكتب نفسه وسيرته الذاتية من خلالهم، أي ما اذا كان يقدّم لنا سيرة مموّهة، مواربة ومعكوسة، او على الأصح "شظايا" سيرة في شكل رواية. لم لا وقد صرّح كونديرا مرارا أنه يعتبر الرواية "كتابة نثرية يستكشف فيها الكاتب، من خلال أنوات تجريبية هي شخصياته، بعض نواحي وجوده"، أي ان الكاتب في رأيه يبحث في رواياته في الدرجة الاولى عن لغز أناه والتباساتها وتجسيداتها المختلفة. وفي الاطار نفسه، اي السيرة التي تترقرق عبر شخصيات وسيطة، يمكن ان نُدرج ايضا رواية الكاتب الفرنسي اريك اورسينا الجديدة، "السيدة با"، التي تقمّص الكاتب فيها صوت امرأة ليروي بعض تجاربه في القارة الأفريقية وعلاقته بها وصورته فيها. أما الكاتبة الراحلة فرنسواز جيرو، التي نشرت سابقا جزأين من يومياتها، فقد صدر لها الآن جزء ثالث وأخير تحت عنوان“Demain déjà” ، في حين كشف لنا الكاتب جان دورميسون في كتابه الجديد “C'était bien” عودته الى ماضيه ووداعه للحياة في آن واحد، في مذكرات تشبه الوصية عبر معايرة موزونة بين الذاتية والموضوعية: وما هذه سوى بعض النماذج عن موجة السير الذاتية التي شهدها عالم النشر أخيرا! السيرة الفضائحية من الضروري أن نشير أيضا، على هامش هؤلاء "الكبار"، الى ظاهرة عرفت رواجا كبيرا خلال الأعوام العشرة الماضية، وهي ظاهرة المذكرات "الجنسية"، ومنها مذكرات ممثلي أفلام البورنو على غرار رافاييللا أندرسون التي تروي في كتابها الصادر حديثا تحت عنوان “Hard” الوجه الآخر الخفيّ من عالم صناعة البورنو، وتقدّم شهادة امرأة انغمست في تلك الحياة طوال اربعة اعوام، وذلك بواقعية فجّة الى حد التقزيز. ومثلها فعل الممثل HPG في كتابه "سيرة ممثل بورنو"، وكذلك الممثلة اوفيدي في "مانيفست البورنو"، التي قدمت فيه دفاعا عن الأفلام الخلاعية ووصفت نفسها ب"العاملة الجنسية". وليست هذه الاصدارات ذات قيمة ادبية في ذاتها، الا أنها تلفت الأنظار لجهة اخراجها ذلك العالم السفلي والمعتم الى الضوء. ولا يمكن طبعا أن نتكلم على السير الجنسية الفضائحية من دون ان نرجع الى كتاب كاترين مييه، "حياة كاترين م. الجنسية"، الذي صدم العالم عند صدوره منذ نحو عامين، لكون كاتبته ليست ممثلة بورنو بل ناقدة فنية معروفة بجديّتها: امرأةٌ لا تملك اي صفة جنسية "عامة"، اختارت أن تنشر يومياتها الجنسية ببساطة ووضوح ومباشرة، بل بفجاجة ومبالغة كادت تفقد النص صدقيته، في تعبير لا ينتمي الى الادب الايروتيكي بقدر ما يندرج في خانة النتاجات البورنوغرافية، ويقدّم مثالا على الكتابة الاستعرائية بامتياز. كذلك لا بد أن نذكر النزعات الجديدة في هذا الإطار، على غرار ظاهرة العلاج بكتابة اليوميات journal-therapy الذي يشهد اليوم ازدهارا لافتا والذي وضعت اسسه العالمة النفسية الأميركية ايرا بروغوف في الستينات، عندما لمست في كتابة الذات اسلوبا لادراك الطبقات العميقة من الوعي وزيادة فهم المرء لنفسه ووضعه كلمات على هواجسه واوجاعه ومخاوفه. فاليوميات تمنح كاتبها القدرة على الشفاء معنويا وعاطفيا، والقدرة ايضا على اكتشاف الذات ورؤيتها عن مسافة هي نفسها المسافة التي تفصل الكاتب عن موضوعه. ونذكر على هامش ذلك وجود اتحاد عالمي لكتّاب السيرة الذاتية يتابع تطورات هذا المجال، ولكن ليس على مستوى الكتّاب المعروفين بل على مستوى الناس العاديين الذين يرغبون في تقديم شهادة عن محنة مؤلمة عانوها، على غرار سيسيل غودار التي روت انتحار ابنها أو جيمس غراي الذي كتب نضاله ضد مرض السرطان. ونذكر ايضا الشهادات التي تشكّل ذريعة لترويج الإسم وترسيخ الشهرة وتكريس النجومية أو استعادتها، وبعض هذه سير سياسيين أو رجال أعمال أو فنانين أو سيدات مجتمع، ومنهنّ اللبنانية منى أيوب مثلا التي روت حياتها وتجربة زواجها بثريّ سعودي، او عارضات الأزياء على غرار ناومي كامبل وكارن مولدر اللتين روتا حياة الاضواء وصعوباتها. وجدير بالذكر أن كلما ازدادت صورة الكاتب أو الكاتبة فضائحية، "ضرب" الكتاب وحقق هدفه من حيث الشهرة والمكاسب المادية. والحقيقة أن عدد المنشورات في هذا الاطار مرعب، كأن السيرة طريقة للتعويض من الكاميرا او التلفزيون او غيرها من وسائل استعراض الذات. ونورد اخيرا تجربة الانترنت، حيث ثمة في الشبكة اليوم مختبرات تفاعلية دائمة لكتابة السيرة، على غرار موقع une femme de 30 ans وهو عبارة عن يوميات تكتبها امرأة في الثلاثين، وتضاف اليها فصول جديدة باستمرار، أي انها دائمة التطوّر ولا تتوقف عند مرحلة محددة. كتب الأديب السويسري بليز سندرار يوماً يقول: "حين اكتب، لست اغمس ريشتي في الحبر، بل في الحياة نفسها. فصحيح أن الكتابة تعني أحيانا أن نبقى على قيد الحياة، ولكن أليست تعني كذلك، تسع مرات من اصل عشر، أن نستسلم وأن نصدر على انفسنا حكما بالاعدام؟". ونسأل بدورنا: تُرى هل يكتب الأدباء سيرهم كرقيّات ضد عتمة النسيان أم ضد سرطان الوحدة؟ أهي بالنسبة اليهم وسيلة انتحار أم انتقام؟ لا أعرف، ولعلّ الإجابة واحدة على السؤالين: سؤالان ليسا على الأرجح سوى وجهين للغز واحد، لغز الحياة والموت وسوء الفهم الأزليّ بينهما، سوء الفهم العظيم ذاك الذي يُدعى الإنسان. وتطور الشجار فقام الزوج بحملها وإلقائها من الطابق الثاني. وتجدر الإشارة إلى أن أسعار اللحوم في مصر تشهد أيضاً ارتفاعاً كبيراً أدى إلى تراجع نسب المبيعات عن مثيلاتها في هذا الموسم رغم مساعي الحكومة المصرية أيضاً لتوفيرها بأسعار مناسبة. النهار