العاشقة لا يفتك بها الانتظار، لا تقدر أن تخاف، وإن كانت تجهل بقية الحكاية. فالحكاية أنت، والبقية حتماً ستأتي. هي تحزن لأنك لم تقفز من عينيها بعد، لم تنزل في يديها، لم تدهشك شعوبها. هي تحزن من أجلكَ، لأنك لا تعلم كم سوف يكون لك قمرٌ على ثغرها، وذهبٌ على خدها، وامرأة جديدة في كل ركن من أرضها.العاشقة تخصب وحدتها بالحب والشهوات المجنحة والفوضى الشهية. تستحضر ظلال الآخرين غير البريئة لئلا يخبو عطش المحرقة، لكن الآخرين قوتٌ لانتظارها، ونشوتها العاجلة سريرٌ بارد في أغنية الجسد. توقها اليك يستعبد فيها كل ما كان ثائراً ويطلق ضفائر كل ما كان مأموراً. اللهفة تسكن فردوسها المعلّق، وهي لا تحفل بالسياج والنساء والبراءة المفتعلة، فقد جهّزت لك رغبات طائشة سوف تتزاحم على الاحتفال بجسدك متى حصل، وآنذاك لن تختصر ولن تكبت ولن تهدر: ستأخذ ما هو لها وما قد لا يكون لها. العاشقة تنهض الهواجس والخيالات وترمق الغياب بابتسامة شاردة فيخترع لها حاضراً مستحيلاً وندماً لذيذاً لا يتثاءب وكائنات تشبه الأزهار، سوف تدلّكَ على الطريق وتتهلل للمعجزة حين تهتدي اخيراً إلى أميرة العاصفة. يتسرّب الشوق من فراش الأميرة العاشقة ومن ثيابها ومن عدم ثيابها مهما كتمت. يهرع الى البحث عنك، فإلى مزيد من الصور الغبارية والإشكال الفارغة. يتسرّب الشوق من فراش العاشقة ويستميل الشعر إلى كوكب ملؤه انت وبعض الشموس وحرّ كثير. العاشقة لك. انت عمادها وفي تربة راحتيك تغرز جذورها السموية. تحمل لها في عينيك نداء الاشتعال ووعداً بانقشاع السكينة، وكم تشبه في أوجاعها حبّ ما قبل الحب الأول! تحول قبلتك دون خروجها الى الآخر، ويحول الآخر دون تراكم قبلاتك عليها. لم ترسل لها الحرائق، لكنّ ما صنعته شفتاك هائل. أما ما لم تصنعاه بعد، فهائلٌ أيضا. العاشقة فيك. قد تظنّ أنك تستطيع تغييبها لكنها تحبس عصافيرك وأفكارك واللذة في غابتها. وعند المساء خصوصاً، وفي الصباح أيضا، أنتَ تصنع منها اللمسة والنبع والحياة. ومتى قصدتها حقاً، سوف تفقدك انتصاراتك وخيباتك السابقة كي تهدي اليك ذنوبك الآتية. العاشقة اليكَ، ولن يتعبها المسير. سوف تنبثق دون انقطاع من واقعها كي تستدرجك الى نوافذها، حلماً يحميها من اليقظة الفقيرة فيطير بها بعيداً ولا يحط إلاّ على وجهك. العاشقة لكَ، فيكَ، إليكَ. تتأرجح في نومها بين نسيان قليل ونسيان كثير، لكنها لا تغفو ولا تستيقظ إلاّ على رغبة فيك لن تندمل. تجعلك إلهاً متى نظرتَ نفسك في عينيها، وتعيدك رجلاً متى نظرتْ هي في عينيك ونادت. لا تغفل الدعوة الى عشائها السري، فالعاشقة متأهبة ولا تريد ان تنتظر.