لحظات مثيرة عاشتها ساكنة إحدى الإقامات السكنية بمراكش وهي تتابع فصول مشهد امتزج فيه أريج الطرافة بعبق العواطف الإنسانية الجياشة. بدأت الواقعة صباح السبت المنصرم حين استيقظت ساكنة الإقامة المتواجدة بحي الإزدهار بمقاطعة جيليز على وقع خطى زوارا غير عاديين، غالبا ما يؤشر حضورهم وتواجدهم بأي مكان عن وقائع و أحداث لا تبشر بخير،حيث لم يكن الزوار سوى عناصر الوقاية المدنية الذين حلوا بفضاء الإقامة مسلحين بكامل عدتهم وعتادهم . دقائق عصيبة مرت قبل أن يستوعب الجميع حقيقة الموقف وتعود الطمأنينة لترسم بشائرها على الوجوه المندهشة، ويتبين أن حضور رجال الوقاية المدنية قد جاء تلبية لنداء استغاثة أطلقتها جارتهم القاطنة بالشقة المتواجدة بالطابق الثاني من البناية المكونة من خمس طوابق،قصد إنقاذ قطتها المدللة"شانيل" من مخالب موت محقق. شبت القطة وترعرعت بين أحضان الأسرة المكونة أربعة أفراد ( الزوج وطفلين 9 و11 سنة) كانت القطة خامستهم حبوها بكل عطف وحنو، وأصبحت واحدة من أهل البيت لا يمكن الإستغناء عن وجودها بينهم، وبالتالي لم تتح لها على امتداد سنوات عمرها الثلاثة أن تغادر عتبة الشقة حرصا على سلامتها ومخافة فقدانها وضياعها في زحمة الحي. وبقدر الحب الذي تكنه الأسرة لقطتها المصونة اختارت تسميتها ب " شانيل" كاسم يليق بمقامها ويناسب قوامها الرشيق، غير أن مساء الجمعة المنصرم سيكون الجميع على موعد مع حدث مأساوي كاد يسبب في هلاك "العزيز شانيل"، ويرمي "أسرتها الصغيرة" بنيران الفقد والحرمان. في غفلة من أفراد الأسرة تسللت القطة خارج الشقة وانطلقت في استكشاف العالم الخارجي من حولها، حين قادها فضولها إلى سطح العمارة المكونة من خمسة طوابق، وتابعت المشي وعيونها الجميلة تشع بنظرات الإنبهار لتقرر تسلق الجدار العلوي وتنطلق في مشيها بخطى وئيدة وهي غافلة عن الخطر المحدق، خصوصا بعد أن أذنت شمس النهار بالمغيب فاتحة المجال أمام ظلمة الليل لإسدال ستارها على المكان. حل الأسوأ ب"شانيل" حين فقدت توازنها ليبتلعها جوف قناة التهوئة" لاكين"، وتشرع بالتقلب بين طيات مجراه الضيق إلى حدود مستوى الطابق الثالث الذي شكل حائط سد في مسارها داخل القناة، وأطبق عليها فيما يشبه الفخ المنصوب. بعودة الأم من عملها ستفاجأ باختفاء "شانيل"، وتدخل الأسرة بكاملها رحلة بحث مضنية جابت مختلف أركان وزوايا العمارة وامتدت إلى المحيط الخارجي بالحي دون أن يظهر للقطة أثر، ما جعل الأسى يتسرب للنفوس والحزن يأخذ بمجامع القلوب،دون أن يعرف اليأس سبيلا إلى مجهودات البحث المضنية. مدفوعة بعاطفة الأمومة بدأت الأم تجوب أنحاء البناية ولسانها لا يكف عن ترديد"شانيل" بصوت تختلط فيه نبرات العطف بالإستعطاف، وكأنها تناشد قطتها بإظهار نفسها ووقف فورة الرعب والقلق، حين تلقفت مسامعها مواءا خفيفا قادما من خلف الجدران. بحماس كبير شرعت الأم في تكرار نداءاتها وهي تتحسس بمسامعها مصدر صوت المواء، قبل أن تقطع الشك باليقين ويتبين أن "شانيل" محاصرة في قناة التهوئة، بدون حول ولا قوة. كان الليل قد خيم بظلاله فاضطرت الأسرة إلى قضاء ليلة بيضاء لم يعرف فيها النوم سبيلا إلى عيون كامل أفراد الأسرة و"شانيل" تكابد محنتها، فبقي الجميع في حالة ترقب وساعات الليل تمر بتثاقل كأنها دهر، قبل أن يستقبلوا يومهم الجديد وتسارع ربة البيت بربط الإتصال بمصالح الوقاية المدنية طلبا لتدخلها وإنقاذ القطة. بمجرد أن شرعت الأم في سرد مشكلها سيأتيها الجواب الصادم من الجهة الأخرى" اعطينا بالتيساع، الصباح لله" ويقفل الخط في وجهها. كان واضحا أن الموظف المسؤول عن الخط الهاتفي بالوقاية المدنية قد اعتقد بأن النداء لا يعدو كونه أحد النداءات الكاذبة التي يرميهم بها بين الفينة والأخرى بعض ضعاف النفوس، قبل أن تعود الأم لربط الإتصال من جديد، وتتلقى نفس الجواب وإن كان هذه المرة بصيغة الحسم والنرفزة" إلى كنتي مساليا راسك، احنا راه مشغولين، شوفي ليك شي جرية أخرى". للمرة الثالثة أعادت الأم ربط الإتصال مع مزجه بآيات التوسل والإستعطاف،وتقديم كافة المعلومات الخاصة بهويتها،ومن تمة المسارعة بتلبية النداء واستنفار فرقة من العناصر تداعت للعنوان المحدد،وعملت على إنقاذ القطة عبر إحداث ثقب بمنزل الشقة المجاورة، وسط تصفيقات وزغاريد ساكنة العمارة الذين تابعوا المشهد بكثير من التأثر،خصوصا حين ظهرت" شانيل"في حالة متدهورة ولم تكد تلمح الأم حتى وثبت لحضنها وهي تصدر صوت مواء حزين، لم تملك معه المرأة نفسها وغالبتها الدموع ما أثر في الجميع. وحتى تمتد مساحة الإنسانية في المشهد، ستفاجأ الأسرة في اليوم الموالي باتصال من مصالح الوقاية المدنية تستفسر عن أحوال القطة، وتطمئن على وضعها الصحي.