بعد رحلة حمل عسيرة محفوفة بالكثير من أوجاع الحيرة والاستفهام، تمخضت أشغال دورة ماي للجماعة الحضرية لمراكش فولدت مقررا يقضي بتفويت عقارات بلدية تتموقع بالمنطقة السياحية جليز. الأثمنة التي ارتضتها «حكمة السادة» والأجواء المثيرة التي عرفتها جلسة المصادقة على النقطة، خلفت الانطباع بأن «المولود» خرج إلى حيز الوجود بإعاقات وعيوب خلقية مزمنة، وبالتالي اضطرار بعض الهيئات الحقوقية للدخول على خط «الولادة» والمسارعة بالاستنجاد بالقضاء أملا في إصدار حكم يمنح إمكانية «القتل الرحيم»، وتخليص المدينة وساكنتها من آلام نزيف عقاراتها وممتلكاتها. لم يكن للنقطة المتضمنة بجدول أعمال الدورة والقاضية بتفويت قطع أرضية تابعة للملك الخاص الجماعي بالحي الشتوي (ليفيرناج)، أن تمر دون إثارة الكثير من التساؤلات عن أسباب نزولها والدوافع الحقيقية وراء برمجتها وتمريرها، خصوصا وأن العديد من أعضاء المجلس ذاته لازالوا محاصرين بتداعيات قضية مماثلة تتعلق بتفويت عقارات بلدية بنفس المنطقة قبل اعتماد نظام وحدة المدينة، وهي القضية التي عرفت اختصارا ب«فضيحة كازينو السعدي»، حيث تمت متابعة المتهمين وإدانتهم جنائيا بأحكام سجنية متفاوتة. أغفل أهل الحل والعقد بالمجلس الجماعي مبدأ «المؤمن لا يلدغ من الجحر مرتين» فقرروا في لحظة مترعة بالغموض والالتباس إدراج نقطة تفويت القطعتين تحت يافطة «تطهير العقارات الجماعية من جميع الشوائب القانونية». الأجواء التي عرفتها جلسة التفويت والتي ترأسها يونس بن سليمان النائب الأول لعمدة مراكش، زادت في إذكاء مساحة الغموض والالتباس، خصوصا مع تلكؤ بعض أعضاء حزب العدالة والتنمية الذي يتربع على مقاليد التسيير عن التصويت على النقطة، وتفضيل بعضهم مغادرة القاعة إلى حين تمرير عملية التصويت خوفا من تحمل تبعات أي ارتدادات قانونية، قد تعصف بهم في شرنقة المساءلة والمتابعة إسوة بنظرائهم المتورطين في تفويت «كازينو السعدي». التناقض والتفاوت في الأثمنة التي تم تحديدها لتفويت العقارات المعنية، وسعت بدورها من حبل الشك والارتياب على راتق العملية برمتها، بعد أن حدد مبلغ 13 ألف درهم للمتر المربع بالنسبة لأجنبي خرج من كعكة «التفويت» ب494 مترا مربعا سيستغلها إلى فيلته المجاورة لإنشاء مشروع عمارة، فيما حدد مبلغ 5000 درهم للمتر المربع فقط لصاحب فيلا محاذية خرج من الغلة ب460 مترا مربعا. تمت تغطية هذا التفاوت «الفاضح» بقناع «توصية سريالية» تدعو لاعتماد السومة الأولى أي 13000 درهم للمتر المربع، في حالة تقدم المستفيد بطلب للجنة الاستثناءات لتحويل فيلته إلى عمارة بعد تحوزه للعقار الجماعي، ما يعني أن «السادة أعضاء المجلس» قد عمدوا إلى رفع الإحراج ب«شرط واقف» يدخل في باب العبث «والضحك على الذقون». وإذا كانت الجهات التي عملت على تحريك خيوط «التفويت» قد تنفست الصعداء بعد أن صادق المجلس على المقرر ب33 عضوا من أصل 86 مجموع أعضاء المجلس، فإنها بالمقابل قد نجحت في إثارة موجة من التساؤلات والاستفهامات، حول الدوافع والأسباب التي دفعت بالمجلس الجماعي إلى ركوب قطار تفويت عقارات بلدية تتموقع بمنطقة استراتيجية بالمدينة الحمراء، «والحكمة» من وراء الإصرار على هكذا «بيع» بالرغم مما يستبطنه من شبهات والتباسات بعيدا عن مبدأ «المؤمن لا يضع نفسه موضع الشبهات». أسئلة مستفزة تحاصر اليوم تجربة التسيير الحالية التي يتربع على دفة قيادتها أهل المصباح، وتسائل كل شعارات التخليق التي اتخذوها كمطية لاستمالة أصوات الناخبين، خصوصا وأن إلقاء نظرة على خريطة العقارات التي تم تفويتها تبين تموقعها بزنقة حافظ إبراهيم الحي الشتوي (ليفيرناج) بمقاطعة جيليز، وهو الشريط العقاري الذي ظل محل استنزاف للأرصدة العقارية الجماعية، وعرف جملة من التفويتات المثيرة على امتداد مراحل التسيير المتعاقبة، أحاطها ركام من الفضائح التي سارت حديث الخاص والعام بالحضرة المراكشية، وكشفت في بعض تفاصيلها عن عورة التواطؤات التي مهدت للهف هذه العقارات بأرخص الأثمنة، وأدت لإفقار البلدية من أوعيتها ورصيدها العقاري. وبالرجوع إلى مسلسل التفويت الحالي يؤكد العارفون بخبايا الأمور وما ظل يجري ويدور برحاب البلدية، بأن الجزء الذي تم تفويته ب5000 درهم للمتر المربع، كان موضوع تفويت سابق على عهد رئاسة الاستقلالي محمد الوفاء (83-92)، حيث صادق المجلس الجماعي على مقرر التفويت وأحيل على المصالح المركزية للتأشير والمصادقة عليه، ليبقى الانتظار سيد الموقف من حينها لعدم توصل البلدية بأي جواب من المصالح المركزية المعنية، قبل أن يعود «جيل المنتخبين الحالي» لركوب نفس الموجة وطرق باب التفويت من باب «البايع الحاج، والشاري سنانو».