حركة دؤوبة وأجواء سمر تشهدها جنبات كورنيش الرباط خلال ليالي شهر رمضان المبارك، حيث تتحلق الأسر حول كؤوس الشاي، وتتعالى ضحكات الكبار والصغار في هذا الفضاء الذي يشكل متنفسا لساكنة العاصمة خلال الشهر الفضيل. أكثر من فضاء عمومي تحتضنه الضفة اليمنى لنهر أبي رقراق، فقد أصبح كورنيش الرباط يتوفر على مرافق ترفيهية متنوعة للأطفال والكبار، بعدما تمت إعادة تهيئته في إطار مشروع "الرباط مدينة الأنوار، عاصمة المغرب الثقافية"، الرامي إلى الارتقاء بعاصمة المملكة إلى مصاف الحواضر العالمية الكبرى. لكل من الوافدين على الكورنيش طقوسه خلال أمسيات رمضان، حيث يجلس البعض على الكراسي لتأمل نهر أبي رقراق، والاستمتاع بمشاهدة مياهه المتلألئة بعد أداء صلاة التراويح، ومنهم من يحلو له تبادل أطراف الحديث مع أفراد عائلته، أو ممارسة رياضة المشي، أما عشاق القراءة فيكفيهم كتابهم المفضل وفنجان قهوة لينفلتوا من الزمان والمكان. وتنتشر على طول الكورنيش، الذي يمتد من الأوداية إلى شاطئ الهرهورة بعمالة الصخيراتتمارة، على مساحة تقدر ب330 هكتار، أشجار النخيل وأنواع أخرى تم استقدامها من المنابت الكبرى، مما يزيد من بهاء المكان وجماليته. ويحظى هذا المشروع السياحي والترفيهي للمدينة الذي يضم تسع مناطق مختلفة، خمس منها سكنية وسياحية، بعناية فائقة بالنظر لما يمثله من قيمة كبرى في ذاكرة سكان العاصمة الرباط، كفضاء هادئ ممزوج بحفيف الأمواج التي ترتطم بالصخور بين الحين والآخر فتصيب المارة برذاذها المنعش، وحيث طائر النورس الجميل يراقب السفن ويملأ المكان بخفقانه. يثير انتباهك وأنت تتجول على ضفاف أبي رقراق أو بجانب قصبة الأوداية الأثرية، العدد الكبير من الأسر التي تختار تمضية أمسيات رمضان بمحاذاة القلعة المحصنة، التي شيدها المرابطون لمحاربة قبائل غرناطة، وجعل منها الموحدون رباطا على مصب نهر أبي رقراق، هنا فقط تستشعر شيئا عابرا للزمن يربط بين الماضي والحاضر. من بين هؤلاء،حسن، وهو أحد أبرز موثقي ومصوري المعالم التاريخية والسياحية، الذي عبر في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، عن سعادته لتهيئة هذا الفضاء الذي يقبل عليه بكثافة زوار العاصمة للاستمتاع بأمواج البحر وغروب الشمس، وممارسة الرياضة، لاسيما وأن ساحل الرباط، من ضفتي أبي رقراق حتى الهرهورة، يتميز منذ الأمد البعيد، بحيويته وأمجاده السياحية وبريقه المعهود. وأضاف المتحدث، الذي يداوم على اصطحاب أسرته الصغيرة، منذ زمن بعيد، لاحتساء الشاي في ضفاف أبي رقراق، أن ما يميز هذا المنتزه هو مزجه بين الحاضر والماضي، فهو يؤرخ لحقبات تاريخية تختزل قرونا طويلة من تاريخ البلاد وتحمل الكثير من بصمات الحضارة الأندلسية وملامح التعدد والتعايش في المملكة، علاوة على البصمات العصرية التي تميزه بعد إعادة تأهيله. وإذا كان كورنيش الرباط واجهة حضارية وتحفة معمارية ومعلمة سياحية بالمدينة سواء من حيث المسافة والخدمات الترفيهية المعروضة على السكان والسياح والزوار، فهو أيضا مشروع سياحي ترفيهي ضخم يروم إنعاش الفضاء عبر احترام المعطيات البيئية، فضاء ينهل من الماضي التليد، ويستشرف الحاضر والمستقبل ويهدف إلى جعل العدوتين قطبا سياحيا بامتياز. وقد استطاع هذا المشروع الذي أشرفت عليه وكالة تهيئة ضفتي أبي رقراق، من خلال استراتيجية متكاملة وواضحة المعالم، تحقيق عدد كبير من أهدافه الأساسية، لاسيما تطهير مياه المجاري وتغيير المطارح العمومية المسببة للتلوث المؤثر على المياه الجوفية، وتقوية المنشآت الأساسية، وتهيئة الفضاءات الخضراء والمنتزهات على طول ضفتي النهر. وقد اختارت الوكالة المضي في إنجاز هذا المشروع الضخم، على ضوء استراتيجية، تضع البعد البيئي وصيانة الموروث الثقافي للعاصمة في صلب أولوياتها، حيث انطلقت الوكالة من واقع مفاده أن هذا الموقع عانى لمدة طويلة من الاستغلال البشري غير المعقلن والمكثف، مما سبب تلوثا ملحوظا على المستويين الجوي والنهري، إلى جانب عوامل البنية الأرضية غير المستقرة وهشاشة التربة. وإلى جانب الجهود التي تبذلها الجهات الوصية على هذا الفضاء، تنخرط جمعيات المجتمع المدني في حملات التنظيف. وفي هذا الصدد، يقول عبد العالي زنيدر، عن جمعية المبادرة لحي يعقوب المنصور، إن الجمعية تقوم بحملة تنظيف بين الفينة والأخرى، لجانب من الساحل، بتنسيق مع مقاطعة يعقوب المنصور، مبرزا أنه تم تهييء الفضاء ليمكن كل الفئات من ولوج البحر على طول الساحل. كما أكد الفاعل الجمعوي على أن العناية بالساحل وتنميته تتطلب تضافر جهود مختلف الجهات، باعتبار المشروع برمته واحدا من الأوراش الكبرى التي انخرطت فيها مدينة الرباط بهدف الارتقاء إلى مستوى تطلعات ساكنتها.