هوية بريس – د. أحمد اللويزة لا تقتصر الموضة على اللباس أو طريقة تسريحة الشعر أو تأثيث البيت… بل الموضة أيضا متعلقة بالفكر والمعتقد، ولأن الموضة دين من لا دين له، فكذلك الإلحاد دين من لا دين له. ولأن الموضة تحكم للهوى في النفوس، فإن الإلحاد تحكم للهوى في العقول والنفوس معا. ولأن الموضة تجعل الإنسان كالريشة تأخذها الريح من أي جهة أتت، فالإلحاد موجة تأخذ فارغ العقل فارغ الروح من أي جهة جاءت. الإلحاد للمتتبع يراه يتمدد، نتيجة الجهل والفراغ الروحي وطغيان الشهوات والحملات المسعورة ضد الإسلام، ونظرا لطغيان حب التميز والإثارة والشهرة والظهور بمظهر المشاكس الغريب المخالف لكل شيء من أجل المخالفة فقط ليعرف، سواء في الأكل أو الشرب أو اللباس أو الحلاقة أو الكلام أو العمل أو الزواج… ونحن نرى الناس كيف يتكلفون التميز عن الآخرين، وقد يعانون من أجل لذلك أشد المعاناة، فإن مما تفتقت عنه عبقرية الموضة وحب التميز تبني الإلحاد كفكر وعقيدة في الحياة. من أجل لفت الانتباه والإثارة وجلب الاهتمام والتمركز في دائرة الضوء حتى يكون هذا المخلوق في صلب اهتمام الآخرين، فتجد هؤلاء الملحدين يذهبون بعيدا ويسرعون الخطى من أجل ذلك التفرد والتمرد على الدين والمجتمع والقيم وكل السائد في المجتمع. إن الغريب في كل هذه الموجة هو دعوى استعمال العقل والتحرر من سلطة التقاليد والخرافات… لكن الحقيقة لمن طلبها وهو يتابع صفحات الواقع والافتراضي عند هؤلاء من خلال ما ينشرونه على الشبكة العنكبوتية، لا يعدو أن يكون حقدا وغيظا وبغضا وتنفيسا لكبت ونفثا لعقد بسبب عدم القدرة على العيش في هذا الحياة وفق ضوابط شرعية ومجتمعية تنظم الحياة، وتعطي لها معنى بعيدا عن العبثية واللامعنى الذي يسيطر على حياة الملحدين. فمعالم التوثر النفسي، والخبل العقلي، والانفصام الشخصي، وعدم الرضى عن الذات بادية في ثنايا الحروف والكلمات والجمل والعبارات والصور والمقاطع التي ينشرها هؤلاء. ففضاءات الإلحاد والملحدين لا تجد فيها فائدة تنفعك في حياتك العلمية أو المعرفية أو الفكرية أو الوجدانية، بل كل ما في الأمر طعن وتحقير وتنقيص واستهزاء وسخرية من الأديان ومن الإسلام خاصة باعتباره الدين السائد المسيطر الغالب على ساحات النقاش والتحليل والتفكير والممارسة. وحتى معتقداتهم لا تقوم على علم محقق كما يدعون، بل هم غارقون في الخرافة والأساطير إلى أخمص القدمين، ولا يتحدثون إلا عن ملايين السنين والصدفة والتطور الطبيعي للقرود والطوطم، وهلوسات ما بعد منتصف الليل.. لبعض من يسمون فلاسفة مثل (فرويد). الإلحاد اليوم لا علاقة له بالعلم، والدليل أن الملاحدة العرب من الشباب خصوصا لا يبرهنون على إلحادهم إلا بموضوعات تافهة، مثل السكر العلني، والإفطار في رمضان، وتبادل القبل أمام الملأ، أو ممارسة الجنس الجماعي، أو السب بكلمات بالغة الحقارة والسفالة… هذه هي الخلاصة. وهي خلاصة تؤكد أن الإلحاد حقيقة لا وجود له إنما هو العناد والجحود ضدا على الفطرة السوية التي لا يمكن أن تعيش بدون دين فيكون على هذا الإلحاد دينا له قوانينه وشرائعه ومعتقداته، وأن استبدال الدين السماوي بهذا الدين مرده الخروج من سلطة التشريع والتمادي في ممارسة المنكرات والموبقات والتلذذ بالشهوات دون وخز من الضمير ولوم من النفس، ودون أن ينغص عليهم حياتهم الشهوانية التفكر في الموت والبعث والنشور والجنة والنار. فيختار الملحد أيسر ما يراه سبيلا لينعم بشهوات الدنيا ومحرماتها فيدعى أنه ملحد لا يؤمن بدين لأن الدين لا حقيقة له، وأنه لا يمكن أي يؤمن إلا بما يقع تحت إدراكه ويقبله عقله. لكن أي عقل هذا الذي غيبته الشهوات ولم يعد قادرا على أن يعيش الحياة بضوابط وقوانين تنظمها، ليختار العبث دون أن تفارقه فكرة وجود الإله، فيكون تمرده وتعبيره بوقاحة ضد وجود الإله ومن ويؤمن به دليل على شدة معاناته مع شعوره بوجود الله. لو كان الإلحاد حقيقة لما اشتغل الملحد أصلا بنفي وجود الإله، إذ العدم لا يحتاج إلى إثبات عدميته. ولكن ما يستقر في القلب يجعل الملحد مكرها ليثبت خلاف ذلك، وعمله ذلك لا يزيد فكرة وجود الإله إلا قوة وثباتا. وكون الإله غيبا لا يعقل الإيمان به، لا يستقيم لو حققنا مع الملحد حين نجده في هذه الحياة يؤمن بغيبيات كثيرة أقلها تصديقه باليقين بما تخبر به مديرية الأرصاد الجوية. قد يقول إن ذلك مرده إلى العلم، فنقول له إيمانك به ليس عن علم وإنما عن سماع وثقتك فيمن سمعت منه. وإن وجود الله قد تبث بالعلم والسماع ومنتهى الثقة فيمن أخبر بوجوده. ويكفى الملحد العربي أن يقسم لك بالله على عدم وجود الله، ويقول لك غدا إن شاء الله سأثبت لك عدم وجود الله. أو يدعو الإله لينتقم ممن ظلمه. أو يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم إذا سمع خشخشة في ظلام دامس!!! إنه لا وجود لملحد خالص. والملحد أكبر دليل على وجود الله. وإن الإلحاد ما هو إلا موضة، ورغبة في التحرر من سلطة الحلال والحرام.