كل ما اشتعلت النيران في فلسطين عاد الرأي العام إلى أصل المشكل في الشرق الأوسط و فلسطين تحديدا. بكل صراحة و موضوعية، مشكلتهم أنهم أرادوا إقامة دولة مصطنعة بدون شعب يمتلك أرض، و الآن يريدون افتعال روح وطنية وهمية و لعب دور الضحية بعد تكبل خسائر بشرية من طرف المقاومة الفلسطينية، وهذا شيء مستحيل لأن الوطنية تنبع من شعب لديه أرض و ليس جماعات مستوردة من شتى بلدان العالم أتت للسكن في منازل الغير بعد ترحيل أصحابها بالحديد و النار. مهما كانت قوة جيشهم التقنية لن يستطيعوا الشعور بالوطنية و الاطمئنان و الأمان أبدا، لأنهم لا يتواجدون في بلدهم بل في بلاد غيرهم، بعد أن اغتصبوها و شردوا أهاليها و سجنوا الملايين في بقعة صغيرة عبارة عن سجن ضيق بسماء مفتوحة. و بعد ذلك ظنوا أنهم سيشعرون بالراحة بافتعال وطنية مزيفة. و لكن الوطنية لا تأتي هكذا، إذ لا يمكن صناعة جيش أولا و استعمار أرض ثانيا، ثم ملئها بسكان من كل أنحاء العالم. الجيوش تنتجها الشعوب و ليس العكس، و هذا ما لم يفهمه مخططوا ما قبل و ما بعد 1948. ما يحدث من مآسي اليوم في فلسطينالمحتلة ما هو سوى استمرار لمسلسل طويل من إحداث مستوطنات تلو المستوطنات ضدا على كل المواثيق و المعاهدات من جهة، و محاولات من قبل الفلسطينيين لاسترجاع حقهم في الحياة من جهة أخرى. لو كان هؤلاء يمتلكون روحا وطنية حقيقية لما كانوا حريصين كل الحرص على الحصول أو المحافظة على جنسيات بلدانهم الأصلية تحسبا لكل طارىء و لو بسيط، لأنهم بكل بساطة لا يشعرون بالأمان في الدولة التي أقاموها في أرض فلسطينالمحتلة، و أما و أن الأمر يتعلق اليوم بحرب فمن المحتمل أن يشهد التاريخ وجود دولة فارغة تماما من المدنيين. لم يعد من الممكن أو من المجدي، في كل مرة حدثت مواجهات بين الطرفين، الكلام عن الجهة التي أطلقت أول قذيفة، لأنها حرب مستمرة منذ أكثر من خمسين سنة تخللتها تعهدات من المستعمر لإيقاف الاستيطان و كلها تعهدات نقضها المستعمر الذي عرف بنكث وعوده، و في كثير من الأحيان امتعضت من ذلك الولاياتالمتحدةالأمريكية التي لديها مصالح أضحى مستعمر فلسطين يهددها بحماقاته التي لا تنتهي. الرأي إذا أن أمريكا و حلفاءها سيتخلون عن مستعمر فلسطين يوما ما، و لعله يوم قريب، و آنذاك لن يصمد مستعمر فلسطين الذي ليست له قضية عادلة لبضعة أيام أمام عزيمة المقاومة الفلسطينية. لن يتخلص أبدا مستعمر فلسطين من المقاومة مهما استعمل من سلاح جوي فتاك، و صواريخ جهنمية، و قنابل محضورة دوليا، لأن الحسم في هذه الحرب للمعارك البرية التي تتطلب جنودا متشبعين بروح وطنية و في موقع الدفاع عن قضية عادلة. و أما مستعمر فلسطين و مهما قيل، فهو في وضعية سيكولوجية منهارة لأن المستوطنين الذين أتى بهم إلى فلسطين لم يجدوا لا اطمئنان و لا استقرار، بل ظلوا في وضعية خوف مستمر جعلهم في أحيان يرتكبون مجازر مروعة في حق الأطفال و النساء و الشيوخ، و في أحيان أخرى يبكون بلا سبب. و أما جيش المستعمر، فالواضح أنه يتفكك، و لكن ليس لقلة المؤونة بل نظرا للفكرة التي شيد عليها و التي أضحت عرضة لصحوة الضمائر، إنه اليوم جيش في غاية التعب الفكري، و في ذلك مؤشر لهزيمة قد تلحق به، في وقت أقرب مما يتخيله المتابعون و المحللون، و ربما خارج وقت المعارك. أن يكون التحرك الفجائي للمقاومة الفلسطينية، يوم 7/10/2023 ، بإيعاز من جهة أو جهات ما في إطار فخ يتيح الفرصة من أجل إلحاق أكبر ضرر بالمدنيين الفلسطينيين و قتل أكثر عدد منهم كما يقول البعض، أو أن يكون ذلك مجرد استمرار في المقاومة في إطار خدع الحرب، لا يهم، المهم أن هذه المواجهة أكدت قوة المقاومة و مدى استعدادها الدائم للقيام بأصعب العمليات بوسائل محدودة نسبيا، و مدى تشبث الفلسطينيين بقضيتهم. أن يترتب عن الأحداث الأخيرة في فلسطين حرب عالمية أو أن تنجح الديبلوماسيات في تحقيق هدنة أخرى، هذا شيء، و أما المهم فهو أن لاشك أن القوى العظمى لن تظل مكبلة بإرادة مستعمر فلسطين الذي لا حدود لحماقاته، لأن العالم الجديد لديه اهتمامات أخرى، بعد أن أعطت القوى العظمى لمستعمر فلسطين كل شيء و لم تجني منه سوى المصائب العظمى و الأزمات التي لا تخدم لا اقتصاد عالمي و لا سياسة دولية جديدة، بل هو مستعمر بات يعرقل كل شيء بلا أدنى هدف واقعي يستحيل تحقيقه استحالة زرع القمح في الخرسانة اللزجة.