الجمعة 06 ماي 2016 استقلت الجمهورية الموريتانية عن الوطن الأم فكان ماذا؟ واستقل الجنوب عن السودان بعد أن انفصل السودان عن مصر فكان ماذا؟؟ ناهيك عن تفتت الملل الأخرى؛ كيوغسلافيا وكالسوفيات .. إنها وقائع من التاريخ تؤكد لنا: أن التوحيد مؤذن بالكمال والقوة والاستقلال؛ وأن التقسيم عنوان التشظي والضعف والاستغلال؛ وأن هذا الذي نراه يُكاد لوحدتنا الترابية بعد ما حاولوا في "إسلامية الدولة" وفي "إمارة المؤمنين"؛ فباءت بغباء الفشل وسوء المُنقلب؛ فلم تجد للمناورة إلا أصواتا شاذة لبعض إخواننا المغرر بهم خارج الوطن والمستغلين من طرف أعدائه لتفتيت قواه ولطعنه من الخلف؛ أعداء ما فتِئوا يبيعون كل شيء لتحقيق أماني عسكر الجزائر وتنفيذ أجندة رافضة إيران لتقويض بلاد السنة؛ بل ولبيع الجغرافيا والتاريخ للأغراب عن الدم وعن الدين من شركات الغرب وأموال الإمبريالية العالمية التي لم يعد يشبع نهمتها شيء سوى الاستحواذ الكامل على خيرات الكرة الأرضية وزرع الفتن بين الأشقاء وبث الفرقة والتمكين لعتاة الاستبداد ليكونوا: "أداة التسلط عند الاستقرار" أو "أداة التخريب عند رفض الناس لهم"؛ فلا ترى الشعوبُ المضطهدة إلا خيارين: – الاستبداد بالتخريب. – أو التخريب بالاستبداد. وقد استفحلَ التقويض حينما غاب "حارس الدين"، و"وازع الإيمان" الذي كان يعلي مِنْ شأن "عقيدة التوكل ويقين التضحية"؛ فيضع لأهله خيارات أخرى غير الأوليْنِ وهما: "عِشْ حميداً أو مُتْ شهيداً". فمع الحرص على الحياة في سبيل الله إعماراً وإحساناً؛ فإن خيار الموت في سبيله سبحانه أيضاً وارد لا تبعده الظنون بل هو أقرب وأسلس .. كما قال جل ذكره: "قل هل تربصون بِنَا إلا إحدى الحسنيين". فقد علمنا ربنا حُسنيينِ خيراً من سوأتي الظالمين؛ فلذلك كنّا أشد ما نكون استعصاءً على أعداء الملة والأرض حينما كان هذا المنطق حاكما في وجداننا موجهاً لعقولنا وجوارحنا؛ هو دستور تاريخنا رجالنا ونسائنا بل وأطفالنا ومن لم يولدوا بعد؛ فلما غاب هذا "التعليم الرباني" الفاصل المُريح لأوليائنا، المُريع لأعدائنا، واسبدلناه عياذا بالله بالعرقيات والقوميات وبالماديات بدل المقدسات والروحانيات؛ صرنا نتربص بين خوفٍ وذلٍّ؛ خوف من الاستبداد ومن التخريب؛ وذلٍّ بين موائد اللئام يتحكمون في مصائرنا ونخاف من غضبتهم ونستجدي رضاهم بالهدايا وبالرشاوي وربما بأخَسَّ وأدنس.. فلما حصحص الحق وقربت ساعة الصفر وجدنا الأوراق تطيش من هنا ومن هناك؛ وصارت قضيتنا الكبرى وثابت وطننا الثالث؛ في مرمى الضياع أو في مهب الريح بعد انتكاسات وانعكاسات.. إننا اليوم أيها المغاربة الأحرار أحوج ما نكون للتحاور والتآزر والتناصر؛ سياسةً في لبها ولبيبها لا بقشورها؛ وديانة في عملها وضميرها لا بضمورها؛ لا لنكرر أخطاء الماضي ولكن لنثبت للعالم أننا كما عُهِد علينا حكمةً وإباءً وصرامةً؛ وأننا لن نفرط في مقدراتنا لمستغل مستبد؛ يريد نهبنا جهاراً نهاراً؛ ولن نتنازل عن حبات الرمل التي توارثنا التخلي عن كل ملذاتنا رجاء رفاهيتها واستقرارها وتنميتها وصلة أرحامها؛ نقولها يقيناً بمعدن المغاربة الأبرار الأحرار؛ آهٍ .. لولا غلبة القانون الدولي وحصار المعاهدات لفصلنا الهامات ولأدبنا النزوات؛ فإنه أقل ما يجب لإخواننا علينا في تندوف إذ يحاصرهم الظالمون ويستغلهم المناوئون؛ فوجب علينا شرعاً وطبعاً فِكاكهم وإلحاقهم بأرحامهم ونزع فتيل الضَّيم عنهم.. إنكم معاشر إخواننا الانفصاليين -مع شذوذ اختياركم وقلة حيلتكم وتحرككم بغيركم وبأدوات من يستغلكم لِيُقْبِركم في مزابل الإهمال بعد قضاء الوطرِ منكم وفيكم وبكم؛ ولبئس الصفقةُ صفقتكم-؛ فإنكم في سبات عن التاريخ وعن الواقع؛ بل وعن الدين الذي ظلت ربوعنا الصحراوية ملجأ لأعلامه ومأرزاً لخيار حملته وخِيامه؛ علماً وعملاً وجهاداً وتنمية منذ فجر الإسلام الأدارسيِّ، ومنذ أسست دولة الملثمين إمبراطورية المرابطين بتلاحم بين المصحف والسيف من أبي عمران الفاسي وعبد الله بن ياسين إلى ابن تاشفين وغيرهم رحمهم الله أجمعين.. وهذه مدينة السمارة التي أسسها العلامة الشيخ ماء العينين بتعاون مع سلاطين المملكة وبتوجيه ملكي مباشر من المولى عبد الرحمن العلوي في مدينة مراكش سنة 1898م.. وهذه المدينة كأخواتها العيون والداخلة وبوجدور وطانطان هي شاهدة على العمق المغربي لصحرائه فيه؛ وأنها هي من أصدق الشواهد التي تمثل الصحراويين حقيقة وتشخص انتماءهم الأوحد لرابطة الوطن بإسلامه وبعروبته وبمغربيته لا فرق بين ريفيه وحوزيه ولا بين جبليه وسوسيه، ولا بين صحراويه وشماليه..؛ وأن الأوزاع المشتتين قسراً في المخيمات والمندسين المدجنين بجزائريين وماليين ونيجيريين قصد التهويل؛ لن يغيروا من هذا العمق شيئا وستبقى الغلبة بإذن الله للحق وأن الفصل للأصل جدٌّ ليس بالهَزْل.. إنكم معاشر إخواننا الانفصالين تدعون لاستبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير؛ وتسعون لاختطاف أنفسكم إلى قاعدة الصفر؛ و قد يسر الله لكم الكمال من حيث انتهى الناس؛ وإن إخوانكم في الدين وفي الوطن والتاريخ وفي اللسان وفي الرحم يجرونكم إلى الجنة بالسلاسل، ويخافون عليكم لحظة لا ينفعكم فيها ندم ولا تَمنٍّ.. إنكم معاشر الإخوان ترون ما يعانيه المشرق العربي جراء التدخل الأجنبي في العراق وما والاه؛ وترون أن الاتحاد المغاربي عجز وهو خماسي فكيف لو تشظى إلى ستة؟! وترون دول إفريقيا وانحطاط قرارها وتبعيتها لمن يدفع أكثر.. فإلى من ستلجئون حينما ينجح العابثون في استغلالكم -ولن ينجحوا بإذن الله-؟؟ ولكن أيقنوا أنكم ستخرجون من حفر الأسر والمنفى إلى أخبث منه وهو ضيق العبودية والاستخدام.. فهل وزنتم فعدلتم مع أنفسكم قبل أن تعدلوا مع وطنكم وإخوانكم؟؟ وإن الطغمة العسكرية الحاكمة في الجزائر الشقيق؛ والمتحكمة في دمية قصر المرادية المسلوب؛ لا تبحث إلا عن مصالحها ولا يعنيها أمركم بشيء إذا ما حصل توافق الكبار؛ فأنتم قُرصٌ في لعبة الشطرنج السياسية يوشك أن يزيلوه وإن لم يزيلوه استخدموه؛ وفي كل الأحوال أنت لست رابحا إلا مع الوطن والرحم ولستَ شريفاً إلا بهما؛ وهنا أجدني مضطرا لاقتباس نص ملكي روعة في المصارحة والمناصحة لجلالة الملك محمد السادس إذ قال -حفظه الله وعلى الحق نصره وأيده-؛ في خطاب الذكرى 39 للمسيرة الخضراء: "هناك من يريد وضع الوطن في خدمة مصالحه، هؤلاء الذين جعلوا من الابتزاز مذهبا راسخا، ومن الريع والامتيازات حقا ثابتا، ومن المتاجرة بالقضية الوطنية، مطية لتحقيق مصالح ذاتية. كما نعرف أن هناك من يضعون رجلا في الوطن، إذا استفادوا من خيراته، ورجلا مع أعدائه إذا لم يستفيدوا". ولأن الموضوع ذو شجون ويحتمل من التحليل والتدليل ما يكتب في أسفار؛ فإني أختم كذلك بكلمة أمير البلاد التي جمعت مقاصد القصد والاقتصاد فلم تعْدُ الحق في رحمة الوطن لأبنائه ولا في شدة عقابه بأعدائه؛ إذ قال نصره الله: "أي شخص إما أن يكون وطنيا أو خائنا؛ فليس هناك مرتبة وسطى بين الوطنية والخيانة".. "فالصحراء ليست قضية الصحراويين وحدهم؛ الصحراء قضية كل المغاربة".. "فالصحراء قضية وجود وليست مسألة حدود.. والمغرب سيظل في صحرائه والصحراء في مغربها، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها". والحمد لله كما يرضاهُ والختمُ : لا إِلَٰهَ إلا اللهُ.