مجددا أكد الملك محمد السادس في خطاب العرش الأخير (29 يوليوز 2023) على تمسكه بسياسة "اليد الممدودة" اتجاه الجزائر، وهي السياسة ذاتها التي انتهجها الجالس على العرش لسنوات. حيث أكد في خطابه الأخير على أن المغرب لن يكون أبدا مصدر شر أو سوء للجزائر قيادة وشعبا، وفي ذات السياق تمنى الملك محمد السادس أن "تعود الأمور إلى طبيعتها، ويتم فتح الحدود بين بلدينا وشعبينا، الجارين الشقيقين". والرسالة التي تضمنها خطاب العرش هي نفسها التي شدد عليها الملك في عدد من الخطابات السابقة، حيث أكد غير ما مرة للأشقاء الجزائريين أن الشر والمشاكل لن تأتيهم أبدا من المغرب، كما لن يأتيهم منه أي خطر أو تهديد؛ لأن ما يمسهم يمسنا، وما يصيبهم يضرنا. لذلك، اعتبر الملك في خطاب العرش (2021) أن أمن الجزائر واستقرارها، وطمأنينة شعبها، من أمن المغرب واستقراره، والعكس صحيح. كما دعا الملك في ذات السياق إلى تغليب منطق الحكمة، والمصالح العليا، من أجل تجاوز هذا الوضع المؤسف، الذي يضيع طاقات البلدين، ويتنافى مع روابط المحبة والإخاء بين الشعبين، فالمغرب والجزائر أكثر من دولتين جارتين، إنهما توأمان متكاملان، يقول الملك. والدول المستفيدة من الوضع المتأزم بين الجارين معروفة، لذا لن تسعى يوما إلى تغييره أو السماح بذلك أيضا، من أجل هذا ذكّر الملك محمد السادس بقيم الدين والهوية والأخوة بين الشعبين الشقيقين، وقال في خطاب العرش سنة 2021 "إنما نحن إخوة فرق بيننا جسم دخيل، لا مكان له بيننا". وعلى نمط هذه السياسة كان الراحل محمد الخامس والحسن الثاني أيضا، حيث رفض الملك محمد الخامس المساومة على الحدود المغربية ما دامت الجزائر ترزح تحت نير الاستعمار، كما دعا الحسن الثاني لفتح الحدود بين البلدين وذكر ساسة الجزائر بقيم الأخوة والجوار. والسياسة الملكية في تدبير الخلاف مع الجزائر فيها إشارة قوية لمن ينفخ في نار الفتنة لتستعر والخلاف لينمو، سواء من السياسيين أو الإعلاميين أو الصحفيين أو غيرهم، فلغة التصعيد والتحريض لن تخدم مصالح البلدين الجارين على الإطلاق، لكن لغة الحكمة والعقل، واستحضار الروابط الدينية والقيمية والهوياتية والمصالح المشتركة بين البلدين.. من شأن هذا كله أن يقرب الهوة ويذيب الخلاف، ذلك أن استقرار المغرب من استقرار الجزائر والعكس صحيح أيضا. نعم هناك ضعف تجاوب من قصر المرادية ورفض سياسة اليد الممدودة من المغرب، وتحريض إعلامي مكشوف واستهداف للرموز المغربية بطريقة فجة، لكن كل هذا لا يسمح بالنفخ في نار الفتنة ولا يمنع أيضا من تكرار مساعي الصلح، والبحث عن سبل سلمية لحل الملفات العالقة، خاصة والعالم يعيش اليوم على صفيح ساخن، وطبول الحرب تقرع هنا وهناك، وعدد من الدول الكبرى تطمح لتغيير موازين القوى وتبحث لنفسها عن مواقع نفوذ ومصادر للثروات. كل المؤشرات تؤكد أن مصلحة المغرب والجزائر في الوحدة والتعاون والتكامل، لكن هناك عوائق داخلية وخارجية تحول دون تحقيق هذه المصالح العظمى، من أجل هذا فكل فاعل سياسي أو حقوقي أو صحفي، وكل من له وسيلة لتبليغ الخطاب أو التأثير في الجماهير يتحمل مسؤولية كبرى في تدبير هذا الملف الذي دام حوالي نصف قرن. المغرب والجزائر إخوة فرق بينهم جسم دخيل لا مكان له بيننا.