لا زلت أذكر وأنا في مستوى التعليم الإبتدائي دروس التعبير والإنشاء التي كان يلقيها علينا أستاذتنا في تلك الفترة، وكانت معظمها متعلقا بالأعياد الدينية والوطنية، ومن أهمها عيد العرش المجيد خصوصا وأنه كان يرتبط باحتفالات مدرسية تتخللها عروض الأناشيد والمسرحيات يشارك فيها التلاميذ من كل المستويات. تربينا وقتها على الروح الوطنية وحب الوطن والاعتزاز بالهوية المغربية، والجلوس مع الوالدين لمشاهدة خطاب العرش في التلفاز، والسماع إلى مناقشات وتحليلات الأخوال للخطاب الملكي. إن المغرب ملكا وشعبا يشكلان معا قوة تسري روحها على المغاربة أينما حلوا وارتحلوا، قوة تعد من النعم التي أنعم الله تعالى على بلادنا بالتلاحم الدائم، والتجاوب التلقائي، بين العرش والشعب. وهو ما مكن المغرب من إقامة دولة – أمة، تضرب جذورها في أعماق التاريخ كما جاء في خطاب العرش ل 29 يوليوز 2023م. لقد أكد جلالة الملك محمد السادس نصره الله في خطابه بالمناسبة على التحلي بالجدية باعتباره شعار المرحلة للارتقاء بالمسار التنموي إلى مرحلة جديدة، وفتح آفاق أوسع من الإصلاحات والمشاريع الكبرى، التي يستحقها المغاربة. ويضيف الخطاب الملكي أنه في ظل ما يعرفه العالم، من اهتزاز في منظومة القيم والمرجعيات ، وتداخل العديد من الأزمات، فإننا في أشد الحاجة إلى التشبث بالجدية، بمعناها المغربي الأصيل: -أولا : في التمسك بالقيم الدينية والوطنية، وبشعارنا الخالد: الله – الوطن – الملك؛ -ثانيا: في التشبت بالوحدة الوطنية والترابية للبلاد؛ -ثالثا: في صيانة الروابط الاجتماعية والعائلية من أجل مجتمع متضامن ومتماسك؛ -رابعا: في مواصلة مسارنا التنموي، من أجل تحقيق التقدم الاقتصادي، وتعزيز العدالة الاجتماعية والمجالية. إنها روح (تمغربيت) التي تتميز بالاعتزاز بالهوية المغربية الدينية والوطنية والانصهار في بوثقة واحدة تجمع كل أطياف المجتمع بشتى تلويناتهم العرقية ومرجعياتهم. إن تمغربيت كما يعبر عنها الدكتور عبد الله بوصوف منظومة اجتماعية عريقة من القيم والعادات والتقاليد والطقوس الرمزية التي تميز كل مغربي في أي بقعة جغرافية من العالم وليس داخل المغرب فقط تطبعها تمظهرات مليئة بالمعنى الوفي للسماحة والتعاون والتضامن وحب الخير للجميع بعيدا عن أي تعصب أو انغلاق، فالمغربي كائن اجتماعي وثقافي فاق حدود الوصف والتحديد، يضع بصماته ويترك آثاره أينما حل وارتحل إن المغاربة يعتدّون ويعتزون بملكيتهم، فهم على العهد والبيعة والولاء صغيرهم وكبيرهم ذكرهم وأنثاهم داخل الوطن وخارجه، وبما تشبعوا به من ثقافة الفرح فهم يفرحون مع ملكهم بمناسبة تربعه على عرش أسلافه الميامين، ويسمعون إلى خطاب العرش بآذان صاغية لأنهم يعتبرونه خطاب مرجعي تتأسس عليه سياسات المرحلة القادمة. وفي ظل التحديات العالمية والمحلية فإن الجدية كما جاءت في الخطاب الملكي مطلوبة أكثر من أي وقت مضى للارتقاء بالمغرب إلى مصاف الدول المتقدمة والقوية.