سينتهي المونديال، وسنعود لحياتنا اليومية وقضايانا ومشاكلنا، لكن أهم ما ينتظرنا خلال العام المقبل هنا في المغرب هو تعديل مدونة الأسرة التي يطالب العلمانيون (وجمعياتهم النسوية) بتعديلها بعد أن أخرجوها للوجود عام 2004. وأهم ما غيروه آنذاك (أي في 2004) قانون الطلاق الخلعي الذي كان حينئذ يمنح التطليق للمرأة لكن بشروط كثيرة وأدلة وحجج دامغة حتى لا تتهشم وتتشتت الأسر بأسباب واهية، فأصبح الخلع بعد المدونة ميسرا نسبيا وبشروط تفضيلية للمرأة، وحتى إن لم يتفقا على الخلع أخرجت المدونة مسطرة جديدة اسمها مسطرة التطليق للشقاق فتحول إليها كل قضايا الخلع غير المتفق عليها، فيصبح التطليق أمرا يسيرا جدا تحصل المرأة بموجبه على الطلاق بسبب او بدونه، وفي ظرف وجيز لا يتجاوز 3 إلى 5 أشهر مع الاحتفاظ بجل الحقوق التي تعطى للمرأة المطلقة، والأدهى من ذلك أن الطلاق الخلعي ولو بشروطه التفضيلية للمرأة بات مهجورا تماما بعدما فتحت مسطرة التطليق للشقاق الأبواب على مصراعيها للنساء كي يحصلن على الطلاق في مدة وجيزة للغاية مع الاحتفاظ بأغلب الحقوق المالية والأسرية. والنتيجة كانت أن انتقلت حالات الطلاق والتطليق في المغرب من نحو 24000 حالة سنويا (كان هذا العدد مستقرا لأعوام طويلة) قبل المدونة إلى نحو 45000 حالة بعد سنتين او ثلاثة، ثم إلى 70000 حالة بعد 5 أو 6، ثم إلى 100000 حالة، ثم إلى أكثر من 135000 العام الماضي، وربما هذا العام تتجاوز 150000 حالة طلاق، معظمها (ربما أكثر من 70٪) من خلال آلية التطليق للشقاق الذي تنهجه الزوجة للحصول على الطلاق. وعلى ضوء هذه النتائج الكارثية التي رفعت من حالات الفراق وتشتت الأطفال وتهدم الأسر ومآسي مشاكل الإنفاق.. طلع علينا العلمانيون اليوم بمطالب تعديلية لنفس المدونة لكن في اتجاهات مختلفة ترمي بحسبهم وزعمهم إلى إصلاح الأسرة وإصلاح شروط الزواج وظروفه، لكن عند التدقيق تجدهم أنهم سيزيدون الطين بلة لأن معظم مطالبهم الراهنة تصب في تدمير الأسرة أكثر وأكثر لا في إصلاحها وترميمها، ولننظر مثلا في مطالبهم المتعلقة بإصلاح مشاكل الطلاق (بغض النظر عن مطالبهم الأخرى المتعلقة بالإرث والولاية وغيره). ✓ مطلب منع وتجريم التعدد الزوجي، وهذا المطلب ابتداء هو مخالف لما أباحه الإسلام وشرعه للناس، لكن لنضع موقف الشرع جانبا وننظر في النتائج، ماذا سيحصل لو منع التعدد؟.. بكل بساطة سيلتجىء معظم الراغبين في التعدد إلى الطلاق حتى يظفروا بالزوجة الثانية وهذا سينتج عنه رفع مستويات الطلاق أكثر وأكثر. ✓ مطلب منع الزواج قبل 18 سنة بشكل تام دون إمكانية منح القاضي حق تزويج من هم في سن 16 أو 17 سنة، وهذا بدوره مخالف لما أباحه الشرع الذي اشترط البلوغ مع استحباب الرشد، لكن بغض النظر عن موقف الشرع ماذا ستكون نتائج هذا المنع؟.. بكل بساطة سيعدل كثير من الشباب عن فكرة الزواج بتلك الفتيات لمجرد أنهم سيصبحون مضطرين للانتظار سنتين تقريبا، وهذا معناه تضييع فرصة الزواج لأولئك الفتيات وربما لا يظفرن بفرصة أخرى مدى الحياة، وهذا واقع ومشاهد في حياتنا اليومية إذ ان كثيرا من الفتيات قلما تتاح لهن فرصة ثانية للزواج لأسباب أو لأخرى. ✓ مطلب تقسيم متاع الزوج المكتسب خلال فترة الزوجية عند حوث الطلاق، وهذا بدوره مخالف للشرع الحنيف إذ ان هذا الأمر لم يأمر به الإسلام او يفرضه للمطلقات، ولا حدث في زمن النبوة ولا في زمن الخلافة الراشدة ولا بعدها بقرون، لكن بغض النظر عن موقف الشرع ماذا ستكون النتائج؟.. أسرع النتائج ستكون امتناع كثير من الرجال عن الزواج لأنهم سيخشون ضياع أموالهم وأمتعتهم بل وحتى محال سكناهم لمجرد مزاج الزوج الذي يهدف ويرمي إلى الطلاق ولو بدون سبب، وربما يلجأ الرجال إلى إخفاء أموالهم وثرواتهم عن النساء والاكتفاء بالعيش في بيوت الكراء وإن كانوا يمتلكون الأموال الطائلة والعقارات، وهذا بدوره سيخلف مشاكل مالية وأسرية كبيرة لن تنتهي إلا بالطلاق في كثير وكثير من الحالات. ✓ مطلب الرفع من نفقات الطلاق والأبناء، وهذا سيجعل من إمكانية زواج الرجال المطلقين مرة ثانية أمرا شبه مستحيل، وبالخصوص إن التهمت نفقات الأبناء أكثر من 50٪ من أجورهم ورواتبهم.. هذا إن كانت لهم أجور ورواتب. فهل هذه مطالب إصلاحية حقيقية تروم وقف نزيف الأسرة المغربية.. أم انها استجابة متواصلة للأفكار والمنظومات العلمانية العالمية التي يريد الغرب فرضها على المجتمعات الإسلامية من أجل هدم كيان الأسرة المسلمة وفسخ ارتباطها بدينها وهويتها وعاداتها التي ورثتها من قرون خلت؟