تحريم الزواج على من لا يملك سكنا مستقلا، قول لم يقله أحد، وهو تحريم لما أحل الله. والسكن المستقل للزوجة فيه المتفق عليه والمختلف فيه، أما المتفق عليه فأمران: – الأمر الأول: إن اشترطت عليه ذلك لزمه الشرط، أو يكون هو من اشترط عليها السكن مع أهله فيجب عليها الوفاء، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «المسلمون على شروطهم». [سنن أبي داود ت محيي الدين عبد الحميد (3/ 304)]. والمشروط عرفا كالمشروط شرطا. – الأمر الثاني: إن حصل لها ضرر بسبب سكنها مع أهله، فالسكن المستقل حق لها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار». [سنن ابن ماجه (2/ 784)]. ويحصل هذا ب: أ. أن يكون خاليا من سكنى ضرتها. ب. أن يكون بعيدا عن جيرن السوء. ج. أن يكون مشتملا على جميع ما يلزم لمعيشة. د. أن لا يحصل من الأهل أذية بالقول أو الفعل. ه. أن لا يحصل اختلاط بينها وبين إخوته الذكور. فعن عقبة بن عامر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلمقال: «إياكم والدخول على النساء. فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت.». [صحيح البخاري (7/ 37 ط السلطانية)]. والحمو عند العرب كل من كان من قبل الزوج أخا كان أو عما فهم الأحماء. ثم اختلفوا فيما لو لم يكن هناك شرط ولم يحصل ضرر على ثلاثة أقوال: القول الأول: قول الحنفية والشافعية في الجملة، قالوا: إذا كان لها بيت منفرد في الدار له غلق ومرافق خاصة كفاها، ومقتضاه أنه ليس لها الاعتراض حينئذ على سكنى أقاربه في بقية الدار، إن لم يكن أحد منهم يؤذيها. القول الثاني: قول المالكية، وهؤلاء يفرقون بين التي كانت تعيش في بيت غني، وبين الفقيرة، وهو ما يعبرون عنه بالشريفة والوضيعة، فيرى المالكية أن التي لها حق السكن المستقل هي ذات القدر، أما الوضيعة فلا حق لها، قال خليل: «ولها الامتناع من أن تسكن مع أقاربه إلا الوضيعة». [مختصر خليل (ص136)]. قال الشارح: «(إلا) الزوجة (الوضيعة) بالضاد المعجمة والعين المهملة، أي الدنية القدر فليس لها الامتناع من سكناها مع أقاربه المتيطي إلا أن يتحقق الضرر فيعزلها عنهم». [منح الجليل شرح مختصر خليل (4/ 395)]. فصنيع المالكية النظر إلى عرف الناس وأحوالهم والتفريق بين من ألفت العيش في الرفاهية في بيت والدها وقد كان لها بيت مستقل وخادمة.. ليست كمن اعتادت على العيش في مجمع العائلة. القول الثالث: قول الحنابلة، وهو أن يجعل لها دارا مستقلة، ذكروا هذا في قولهم إن أسكن زوجتيه في دار واحدة، كل واحدة منهما في بيت، جاز إذا كان بيت كل واحدة منهما كمسكن مثلها، وهذا يقتضي أنه إذا كان مسكن مثلها دارا مستقلة فيلزم الزوج ذلك. ومن قال بأنه حق لها، استدل بقول ﴿لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ﴾ [الطلاق:1] وغيرهم قال الإضافة هنا ليست للتمليك بل إضافة إسكان. هذا هو الكلام حول سكن الزوجة دون تأثر بأحد، وهذا كلام الفقهاء كما نصوا عليه. فالناس أحوال غير متساوية، فمن الرجال من لا يمكنه توفير سكن مستقل، ومنهم من له عائلة يقوم عليها، ومنهم الغني الذي يقدر. ومن النساء من عاشت في رفاهية السكن المستقل ومنهن من عاشت عائلة كثيرة الأفراد.. فلا ينبغي التعميم. ومن الصحابة من كان يسكن مع أمه، قال علي لأمه: «اكفي فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم الخدمة خارجا: سقاية الماء والحاجة، وتكفيك العمل في البيت: العجن والخبز والطحن». [مصنف ابن أبي شيبة (7/ 101 ت الحوت)].. ولم يقل أحد من العالمين أن من لا يملك سكنا لا يحل له الزواج. إنما اختلفوا فيما لو طالبت به.