كثيرة هي خطابات جلالة الملك التي يتطرق فيها إلى ملف الصحراء المغربية. وكثيرة هي الخطابات الملكية التي يمد فيها العاهل المغربي يد الحكمة والعقل لجارتنا الشرقية. لكننا نلاحظة في كل هذه الخطابات أنها رغم تشاركها في وحدة الموضوع لكنها تختلف في نبرة الالقاء وقوة الخطاب. هذا المنحى التصاعدي في طريقة تناول العاهل المغربي لقضية الوحدة الترابية للمملكة الشريفة، يعكس من جهة الدينامية التنموية التي تشهدها بلادنا والتي جعلت من المغرب بوابة إفريقيا بامتياز لكل دولة تريد أن تصنع لها موطأ قدم في القارة السمراء. ومن جهة أخرى يعكس الدور التصاعدي لدينامية الديبلوماسية المغربية كقوة صاعدة جعلت من المغرب قوة إقليمية لا يمكن تجاوزها أو الركوب عليها. بخصوص العلاقات مع الجزائر الشقيقة، كانت الخطابات الملكية تُركز على فتح الحدود وعلى أن المغرب حريص على علاقات التعاون وحسن الجوار مع جيرانه، ليس الجزائر وحدها، وإنما موريتانيا كذلك وباقي دول المغرب العربي. وهو حرص نابع من مؤسسة ملكية ضاربة جدورها في عمق التاريخ. مؤسسة راكمت تجربة مستمرة لأكثر من 10 قرون. لذلك من الطبيعي أن تكون تلك المواقف تعكس قمة الحكمة والرزانة في التفكير وبعد نظر لا يملكه إلا من راكم تجربة لها جدورها في عمق التاريخ. لكن في الخطابات الأخيرة لجلالة الملك، نلمس مواقف أكثر وضوحا وصادرة من مملكة شريفة يعرف موقعها الدولي والإقليمي منحا تصاعديا. لذلك في خطاب العرش لسنة 2021 صرَّح جلالة الملك بكل وضوح وبلهجة قوية أن ما شهدته العلاقات المغربية الجزائرية من توترات لا يتحمل مسؤوليته لا هو ولا الحكام الحاليون في الجزائر ولا الرئيس الجزائري السابق. فقد جاء في خطاب العاهل المغربي " خاصة أنه لا فخامة الرئيس الجزائري الحالي، ولا حتى الرئيس السابق، ولا أنا، مسؤولين على قرار الإغلاق". وفي خطابه بمناسبة الذكرى 69 لثورة الملك والشعب، زادت نبرة الموقف المغربي وزادت معها قوة الموقف في الخطاب والصرامة في التعبير حيث قال العاهل المغربي " ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط، الذي يقيس به صدق الصداقات، ونجاعة الشَّراكات". إنها جملة ستبقى منقوشة في صخرة التاريخ، كما أنها تشهد على أن المغرب حقق إنجازات كبيرة على الصعيدين الإقليمي والدولي لصالح الموقف العادل والشرعي للمملكة بخصوص مغربية الصحراء، كما جاء في خطاب العاهل المغربي. إن الخطاب الملكي الأخير اتجه في طريق الحسم النهائي لمشكلة الوحدة الترابية، وذلك للتفرغ الكامل لمواصلة مسيرة التنمية وخدمة مصالح المواطنين وبناء مستقبل الأجيال القادمة. فهل يعي قادة الجزائر هذه المعاني الكبيرة فيلتفتوا لمصلحة الجزائر ويهتموا بشعب الجزائر، أم سيتمرون في تغييب العقل وصوت الحكمة ويجعلون من الجزائر الشقيقة كرة مستديرة تتقاذفها بعض الدول الأوروبية في ملعب مصالحها، وكل ذلك من أجل إيهام الداخل الجزائري أن بلادهم لها علاقات خارجية وليست معزولة سياسيا. ولا أدل على ذلك من الرئيس الفرنسي الذي استعمل الجزائر كما يحلو له في حملته الإنتخابية لكسب أصوات اليمين المتطرف ووصف الجزائر بأنها لم تكن موجودة قبل الاستعمار الفرنسي. وها هو اليوم بعد أن فاز في الإنتحابات يعلن زيارته لبلد لا يعترف بوجوده قبل الاستعمار الفرنسي، ليخدم مصالحه في توفير الغاز للمواطن الفرنسي خلال الشتاء القادم. كما أن العديد من المنظمات الفرنسية أصدرت بيانا تطالب فيه ماكرون بإثارة موضوع حقوق الإنسان المتردية في الجزائر. هذا الخبر يفيد بأن العَدَاء المجاني لحكام الجزائر للمملكة المغربية، جعل بلادهم ضعيفة في المنتظم الدولي والاقليمي وهو ما شجع فرنسا على أن تتعامل مع جنيرالات الجزائر وكأنهم لا زالوا ملحقة تابعة لبلدهم. هل هذه هي الجزائر التي يريدها بلد المليون شهيد؟