فنيت الدنيا، وعادت من جديد في دورة كونية جديدة في الواحد والعشرين من دجنبر عام 2012 ميلادي…. كذا هو الأمر لو صحت نبوءة التقويم الكوني الكاذبة عند فلكيي حضارة المايا، وهي واحدة من حضارات الشمس الثلاثة، ومعها حضارة الأستيك وحضارة الإنكا…. لكل حضارة تقويمها الذي تعتمد عليه في "الارتباط بهويتها وتاريخها وثقافتها ودينها"، فبه تنظم أعيادها ومواسمها، وبه تؤرخ أحداث تاريخها وحياة رجالاتها، وبه تتميز عما سواها وتختص به عن غيرها، وقد خلق الله الخلق يوم خلقه وعدة الشهور الأرضية عنده اثنا عشر شهرا …قمريا، ثم مال الناس إلى ترك ذلك والتقويم بزمن حركة الأرض حول الشمس، أو قل: حركة الشمس حول الأرض من قبل. استمر الناس على مجانبة التقويم القمري، مثل الصينيين والمصريين واليونانيين والبابليين واليهود، واختاروا التقويم الشمسي باعتبار الفصول، وقد دمج بعضهم فيه شيئا من التقويم القمري، وكان العرب لا يزالون على التقويم القمري في جاهليتهم، وهو أمر مثير، فإنه كان مناسبا لدعوة توحيدية جديدة في العالم. هنا سؤالان مهمان، أولهما، لماذا هذا الميل عن التقومي القمري الرباني، إلى تقويمات أخرى؟ والثاني هو: كيف حصل ذلك؟ أما جواب، فيحتاج إلى مدخل مهم اعتدت البدء به، وعليه أعول تأصيلا وتفريعا، وهو أن ثم جهة واحدة، حريصة على "مناقضة" الله تعالى في أمره، تسعى بكل طريقة لجعل الناس ينحرفون عن طريق الشرائع إلى غيرها وربما مقابلتها، وهو الغالب، وليست هذه الجهة إلا إبليس وجنده، وقد استطاع أن يجعل للناس تقويمات أخرى ليصرفهم عن التقويم الرباني، وإفساد الشرائع المبنية عليه، وهو جواب السؤال الثاني. بعث النبي صلى الله عليه وسلم والتقويم القمري هو تقويم العرب، وبدأ نزول القرآن موافقا ذلك ومؤكدا له، مشيرا إلى أن الشمس والقمر كلاهما مرجعان للحساب والتاريخ والتقويم، أما القمر فتقويم العام، وأما الشمس فلتقويم اليوم، وأقيمت الشريعة على ذلك، ودان العالم الإسلامي بعد الفتوحات بالتقويم الهجري، وبه حسب وأرخ، إلى أن حل الاحتلال، وانقلب الحال، وكان حرص المحتل كبيرا على هجر هذا التقويم، واستبدال التقويم الشمسي به، وبعد خروج الاحتلال، بقيت أذنابه، وهم سدنة هيكل مشروع الاحتلال والاستغلال يرعون ذلك، وانضاف إلى العملية كلها دعوة إلى إحياء التقويم الأمازيغي، وكلنا يعرف ظهيرهم فيه، ومقاصدهم، وإبليس ومن تحته من مختلف المسالك يبذلون قصارى جهدهم في هذا، خاصة البناؤون… الأحرار منهم! كانت البعثة النبوية أمرا إلهيا بإعادة الأمور إلى أصلها، وقد نص القرآن على ذلك، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإعلانه إذ قال: إن الزمان استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، فكان كل ذلك إعلانا بتصحيح الوضع، وإفساد مشروع التحريف الإبليسي، وكان ذلك على كل المستويات، وقد واجه المسلمون مشاريع التقويم الإبليسي بكل شجاعة وجزم وحكمة، وقد ضمن لهم دينهم ذلك إلى حد بعيد، لكنهم أصروا على أن يكون لهم "بصمة خاصة"، ولم يكن ذلك سوى التأريخ الهجري، الذي أقاموه على التقويم القمري! وقع خلاف بين السلف الصحابة أول الأمر في التأريخ، فاقترح بعضهم التأريخ بتاريخ الروم، وقيل بالمولد النبوي، وقيل بالمبعث، وقيل بالهجرة النبوية، وقيل بالوفاة، ومال الملهم عمر بن الخطاب برأيه أو بمشورة علي بن أبي طالب رضي اللهم عنهم جميعا إلى الهجرة النبوية لرمزيتها القوية، وإشارتها الصريحة بدء الدولة الإسلامية الراعية لحضارة الإسلام والحافظ بحفظ الله تعالى لأصوله، فعرض عليهم ذلك فوفقهم الله تعالى، فوافقوا، وقام إجماعهم السلفي الدال على الحق والصواب، وكان هذا الختم الأول على ما جاء به الوحي من ذلك. قد يقول قائل، ليس لهذا كله قيمة تذكر، فحسب هذا التقويم أن يقيم المسلمون به عباداتهم، والجواب أن الأمر أكبر وأعظم، فلم يكن استعمال التقويم والتأريخ بالهجرة قاصرا على "العبادة" بمعنها الشائع عند بعض الناس، بل بمعناها الأوسع، والذي يطابق مفهوم الإعمار في الأرض وإقامة العبودية لله تعالى بذلك بالأمر والنهي كله، ومآل الحديث في هذا تفصيلا يوصل إلى أن التقويم القمري والتأريخ الهجري اختيار دولة ذات دين، أي أن التقويم أساس للسياسة والاقتصاد وغيرها من وجوه الدولة المدنية المتدينة، ويكون التمسك بالتقويم القمري وعليه التأريخ الهجري تمسكا بالهوية، والثقافة، والتاريخ. ضمن التقويم القمري ثباتا للتأريخ الهجري، فانطبقا وتوافقا، وتحول التقويم إلى عنصر أساس في صناعة التراث، فبه أرخت الأحداث والوفيات، واستمر على أداء وظيفته التشريعية في ما بني على الأشهر والعدد القمرية، وهي كثيرة، ولم يكن غيرنا مثلنا في ذلك، فقد اضطروا إلى أن يواجَهوا بمشاكل مكلفة، وإشكالات مشككة، ومن ذلك أن التقويم الغربي بدأ بالتقويم الروماني الأول بعشرة أشهر، وكانت بعضها بأسماء آلهة، وبعضها بأسماء الأعداد إشارة إلى ترتيبها مثل أكتوبر الثامن، ونونبر التاسع، ودجنبر العاشر، نعم كان دجنبر هو الشهر العاشر، ثم زيد إلى العشرة شهر يوليوز" القيصري" بواحد وثلاثين يوما تجلة للقيصر، ثم زيد شهر "أغسطس" القيصري أيضا وبنفس العدد، وهكذا كان للقيصرية الرومانية أثر في زيادة شهرين إلى التقويم الشمسي الروماني. ولم يكن هذا هو التلاعب الأخير، بل سيضطر النصارى بعد ذلك إلى محاولة الإفلات مما وقعوا فيه من عدم ثبات التقويم، وحصول اضطراب فيه، فصدرت أوامر من البابا غريغوري الثالث عشر بتعديل التأريخ بزيادة عشرة أيام، فبات الناس ليلة الخامس من أكتوبر عام 1582 ميلادي، واستيقظوا يوم الخامس عشر من نفس الشهر، فضيع البابا عشرة أيام من أعمارهم، فخرجوا في الشوارع مستنكرين ذلك، يطالبونه باستعادة أيامهم العشرة المسلوبة! أرخ النصارى بمولد المسيح عيسى عليه الصلاة والسلام في زعمهم، وهم يؤرخون ولادته يوم الخامس والعشرين من شهر دجنبر، ويجعلون فاتح يناير لختانه، أي بعد سبعة أيام، وهذا عجيب، ثم يرد السؤال هنا، هل هذا اليوم بتقويم الرومان الأول، أو الثاني، أو الغريغوري ذي العشرة الأيام الزائدة، فإن لم يكن هناك جواب، فإن كل ذلك لعب وتهريج، ولعل القوم قريبا يزيدون عشرة أخرى كاملة، فواقع العد بين النظري والواقع مضطرب. يقدم عندنا التأريخ بالهجري على الميلادي في الوثائق الإدارية، وقد ثبَّت هذا الظهائرُ الشريفة بعد عهد الاستقلال، وحافظ كناش الحالة المدنية على ذلك، فينص على تاريخ الولادة بالهجري ثم الميلادي، ويكتب التاريخ الهجري على سبورات الأقسام ويردف ب"الموافق" ل، ويذكر التأريخ الميلادي، وإن كان يستحسن أن يقال: "يوافقه"، فالهجري هو الأصل الموافَق لا الفرع الموافِق! كل هذا أمر جيد جدا، لكنك تفاجأ بأن حساب المدد والآجال القانونية في "المدونات القانونية المغربية" معدودة بالتقويم الشمسي الميلادي، مثل تحديد سن الثامنة عشرة فارقا بين مرحلة "القاصر" و"الراشد" قانونيا، وحساب ذلك الميلادي، وقد يكون لهذا مسوغات قانونية، لكن "الهوية" لا تعجز في حل معضلات أكبر من هذه، وتقويمٌ حَمَل مجد تراث الأمة وتاريخها، لن يعجز عن حمل "الترسانة القانونية" على أحسن محمل. بقي أن أجيب على سؤال المقال، ولن أفعل، لأنه غير مهم، فمن منا يحمل دما أمازيغيا خالصا؟ لقد صار المغاربة أخلاطا، وامتزجت الدماء، ومحاولات التفرقة هدر.