هل المجتمع المغربي مجتمع متدين؟ دين الإسلام هو الوحي القرآني وبيانه. والتدين مرتبط بفهم المسلم لدينه وطريقة ممارسته له. فهناك تدين سلفي، وتدين صوفي، وتدين سياسي، وتدين تقليدي محافظ موروث، لا علاقة له بالسلفية المعاصرة، ولا بالسياسة، ولا بالتصوف الطرقي والمؤسساتي. وهذا التدين التقليدي الموروث؛ معتقد ومسلك غالبية المتدينين المغاربة. ومن هنا فإن المغاربة جلهم متدينون، لا سيما إذا أخذنا التدين عندنا، بمفهومه الواسع المشار إليه. أما غير المتدينين من المسلمين المذنبين الغافلين، أو الحداثيين، أو العلمانيين، أو الملاحدة وغيرهم من اللادينيين، فنسبتهم جميعا تتراوح ما بين عشرة وعشرين في المائة من مجموع المغاربة. وقد تزيد وتنقص حسب الظروف والمتغيرات. وهذا ما أكدته كثير من الدراسات والأبحاث الميدانية؛ وطنية ودولية. "وهذا ما أشار إليه التقرير الذي قامت به وزارة الشباب والرياضة في دراسة حول (الشباب والدِّين) شملت 3000 شاب مغربي من مختلف جهات المملكة كعينة تمثيلية. وخلصت الدراسة إلى أن ما يرتبط بالتديُّن في جواب على سؤال إلى أي حد تعتبر نفسك من الشباب المتدين تطبيقا لا قولا؟ كانت الإجابة بأن 89%من الشباب قالوا بأنهم متدينون وينفذون العبادات"(زكريا خديري: "واقع التدين في المجتمع المغربي"/ هوية بريس 2 أبريل 2019). "ونشر مركز بيو للأبحاث الذي يعد مؤسسة بحثية مستقلة، تتخذ من العاصمة الأمريكيةواشنطن مقرا لها، دراسة حديثة حول نسب أداء الصلاة في مختلف الديانات من قبل الأشخاص البالغين، في 102 دولة عبر العالم، واحتل المغاربة مرتبة متقدمة. وأوضحت الدراسة أن 80 في المائة من المغاربة يحرصون على أداء الصلاة بشكل يومي، محتلين بذلك المرتبة الثالثة عربيا، علما أن الدراسة لم تشمل دول الخليج العربي" (يوسف الكلاخي:"الحوار المتمدن"/العدد 3992). ما تقييمكم للدراسات التي تنجز حول التدين في المغرب، هل تحترم الشروط العلمية، وهل هي نزيهة أم مؤدلجة؟ إن معظم الأبحاث والدراسات النظرية أو الميدانية حول التدين في المغرب يقوم بها،في الغالب، كتاب لهم علاقة بعلم الاجتماع، أو مراكز ومؤسسات حداثية أو علمانية. وهؤلاء الكتاب والباحثون أمثال د. عبد الصمد الديالمي، و د. محمد الطوزي ود. محمد شقرون ود. عبد الغني منديبود.عبد الرحيم العطري، وغيرهم من أشباههم، كلهم ينطلقون من آراء وفلسفة مدرسة كارل ماركس، وأوجست كونت، وإميل دوركايم، وماكس فيبير، في ما يخص مفهوم الدين، أي؛ يتصورون الدين ويحكمون عليه كما يتصوره ويحكم عليه أساتذتهم من رواد علم الاجتماع الديني، مما جعلهم بتبعيتهم وتقليدهم، يُسقطون أحكام وتصورات هؤلاء الرواد على الدين الإسلامي، وينظرون إلى الوحي القرآني والمقدسات الدينية، باعتبارها ظواهر وتمثلات ورموز اجتماعية من إفرازات ونتاج "العقل الجمعي"؛ أحد أسس النظرية الاجتماعية الجبرية عند إيميل دوركايم. ثم إن هؤلاء الباحثين المغاربة اعتمدوافي كتاباتهم وتآليفهم، على أطروحات وأفكار علماء الاجتماع الفرنسيين، من أمثال؛ ليفي بروفنسال، وميشو بيلير، وأندري أدم، وجاك بيرك، الذين قاموا بإنجاز دراسات وأبحاث كثيرة حول الدين، والثقافة، والتقاليد، والبنيات الاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية المغربية، خلال فترة الاستعمار وخدمة له، الأمر الذي أدى إلى تطابق فهمهم وتصورهم لدين الاسلام مع فهم وتصور أولئك الباحثين. كما أنهم من جهة ثالثة يتقمصون الآن شخصية المستشرقين الجدد، وما يسمى بالإسلامولوجيين، حيث يرددون أقوالهم، ويقلدونهم في مواقفهم من الصحوة الإسلامية والإسلام، الذي يتهمونه بالإرهاب والجمود والتخلف. إن ما يكرسه هؤلاء الباحثون المغاربة من ذوي الميولات الحداثية والعلمانية، هو ما يسمى بالاستلاب والاستغراب الفكري والعقدي. ومن هنا فإن دراساتهم النظرية والميدانية حول التدين في المغرب، مؤدلجة ولا علاقة لها بالنزاهة والموضوعية العلمية، ويكفي دليلا على ذلك؛ قراءة نماذج منها بتأمل وتمعن. ما هو استشرافكم لواقع التدين في المغرب؟ التدين في المغرب جزء لا يتجزأ من هوية المغاربة بل هو محورها وقطبها. ومن الصعوبة بمكان تصور المجتمع المغربي منسلخا من هويته. نعم لقد طرأت على المغاربة لا سيما بعد الاستقلال السياسي واندحار المستعمر الفرنسي والإسباني، عوامل استغرابيةوتغريبية، نالت من هويتهم، وأحدثت فيها شروخا، وأثرت سلبا في مكوناتها. بيد أن تلك العوامل وغيرها لم تستطع إزاحة مكون واحد من مكوناتها بله القضاء على مكونين أو ثلاثة كما يأمل أو يحلم العلمانيون وغيرهم من المستغربين. وفي رأيي أن التدين في المغرب سيزداد انتشارا ورسوخا لأسباب كثيرة منها: ارتفاع مؤشر الوعي والمعرفة لدى المغاربة في العقود الأخيرة. ثانيا:إن الهجوم السياسي والإعلامي الغربي على الإسلام، ونعته بالإرهاب، وقتل مئات الآلاف من المسلمين في الشام والعراق وأفغانستان والبوسنة وغيرها من البلدان، أحدث ردة فعل لدى المغاربة والمسلمين عامة، أفضت إلى ظهور صحوة إسلامية ثانية، خاصة في أوساط الشباب. ثالثا: استفحال أزمة القيم والأخلاق في بلدان الغرب، وتسللها إلى البلدان الإسلامية، وانعكاساتها السلبية في مجال التربية والتعليم والعلاقات الأسرية والاجتماعية، دفع كثيرا من المغاربة إلى إعادة النظر في الحضارة الغربية ومقوماتها، والرجوع إلى القيم والأخلاق الإسلامية وممارستها والدفاع عنها. كل هذه العوامل الثلاثة وغيرها، جعل مؤشر التدين يزداد نموا وارتفاعا. والمجال لا يسمح لمزيد من التعليل والتفصيل. *د.عبد الله الشارف: مفكر وأنثربولوجيمغربي / أستاذ بكلية أصول الدين وحوار الحضارات جامعة القرويين بتطوان.