– لقد قدّر الله تعالى-ولا رادّ لقضائه- أن تكون نهاية قصة (رَيَّان) المؤلمة على هذه الحال .. فالحمد لله على كل حال ( وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا). – مات (ريّان)، الذي سكن قلوب الملايين من الناس، وكسب وُدّهم ومحبتهم، فتعاطفوا معه في محنته الشديدة القاسية، حيث مَكَث أكثر من مائة يوم في غَيَابة جُبٍّ بعيد الغور، يعاني الأمَرّين: الجوع والعطش، إضافة إلى البرد والوحدة والظلمة والرعب…!!! – مات (ريّان) ذو الخمسة أعوام.. لكن الله تبارك وتعالى جعل البركة في عمره القصير جدا، فأحيى به الإحساس الجماعي للأمة بقيمة الإنسان الذي كرمه الله (ولقد كرّمنا بني آدم…). – ومن الدروس البليغة للحادث المأساوي المفجع الذي وقع ل(ريّان) وانتهى بانتقاله إلى رحمة الله، أنه عزّز الشعور بالوحدة العاطفية بين أفراد الأمة الإسلامية، ووثّق عُرى المحبة بينهم، وأيقظ فيهم روح الأخوة والتضامن والتعاون … ونرجو أن تستمر هذه الوحدة العاطفية بين شعوب أمّتنا، وأن تدوم مشاعر المحبة والمودة والإخاء بينهم، وتثمر- على الدّوام- القيم الإنسانية النبيلة التي حثّ عليها ديننا الحنيف، من تضامن وتآزر وتساند وتناصر وتعاون وتكافل…، وأن يكون للأنظمة العربية والإسلامية فيها أعظم معتبر، بحيث تدفعها إلى نَبْذِ الخلافات الضّيّقة، التي تُضعِفُها وتُنهِكُها وتُهدِر قوتها وتُبدّد شملها، وتَجَاوُزِ محنها بتوبة صادقة من الفرقة والتّشردم والتّخاصم والتّشاجر والقطيعة…، والتّوحُّد من جديد على قضاياها المختلفة، وعلى رأسها القضايا ذات الطابع الإنساني… كما نرجو أن يكون لهذه الوقفة الإنسانية الفريدة من نوعها مع (ريّان) وأسرته المكلومة ما بعدها، بأن يقف الضمير العربي والإسلامي والعالمي مع الأطفال الذين يعانون من الجوع والحرمان في دول إفريقيا الساحل والصحراء، ومع أطفال فلسطين السليبة الذين يتعرّضون للاعتقالات التّعسّفية والقمع والتّنكيل والإرهاب في سجون الاحتلال الغاشم ، ومع الأطفال الذين يُسامون سوءَ العذاب ويقتّلون في الهند وكشمير ، ومع غيرهم من الأطفال الأبرياء الذين يتعرّضون لمختلف ألوان الظّلم والاضطهاد في أنحاء شتى من المعمورة… واللهَ الجوادَ الكريمَ نسأل أن يجعل فقيدنا المحبوب(ريّان) فَرَطاً وذُخْراً لوالديه، وشفيعاً لهما يوم القيامة، وأن يعظم به أجورهما، وأن يجعله في كفالة الخليل إبراهيم عليه السلام.. كما نسأله جلّ وعلا أن يلهم والديه وجميع محبّيه الصبر والسّلوان، وأن يجزل المثوبة ويعظم الأجر لكل الذين حاولوا الإسهام في إنقاذه، وفي طليعتهم أولئك الأبطال من هيئة الإنقاذ، والمساعدون لهم من المهندسين الطوبوغرافيين والخبراء والتقنيين، والمتعاونون معهم من عناصر الدرك الملكي والقوات المساعدة، وكذا الذين عَرَّفوا بٍقَضِيته وأوصلوها إلى العالم من رجال الإعلام والصحافة… قال تعالى: (واصبر فإن الله لا يُضِيع أجر المحسنين) وقال سبحانه : (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنّا لا نُضِيع أجر من أحسن عملا) .