هوية بريس – الإثنين 26 أكتوبر 2015 يستطيع الإخوان المسلمون ومن يعنيهم الأمر أن يدافعوا عن الرئيس الشرعي المنتخب محمد مرسي، ويردوا على الاتهامات التي توجه إليه بالفشل أو القصور، ولكني بوصفي واحداً من الشعب المصري عايش العصر الملكي والعصر العسكري وثورة يناير والانقلاب عليها من جانب العسكر، أستطيع أن أبدي وجهة نظري في فترة العام اليتيم الذي تنفست فيه مصر الصعداء، وذاقت طعم الحرية والتخلص من الحكم المباشر للنظام العسكري في عهد الرئيس مرسي. أقدر ما يستشعره الناس من قهر وهوان وإذلال غير مسبوق بعد الانقلاب العسكري الدموي الفاشي، ومن ممارسات وحشية تمثلت في المداهمات والملاحقات والمطاردات والإعدامات والاعتقالات والقتل في الميادين والشوارع بالرصاص الحي والخرطوش والغازات والعنصرية المفضوحة في التعامل مع رافضي الحكم العسكري، والتشهير بالشرفاء في الفضائيات والصحف، فضلاً عن الحرب السافرة على الإسلام وإدانته واتهامه بالإرهاب والعنف وإيذاء البشرية. هؤلاء الذين يتألمون لما يجري كثيرون، وكانوا يتصورون أن الرئيس مرسي كان يستطيع أن يجنب البلاد هذا الذي يجري ويحدث، وكان يمكنه أن يمنع سفك الدماء والقتل البطيء ونشر الرعب في أرجاء البلاد لو تخلى قليلاً عن بعض مثالياته وأخلاقه الرفيعة، واستخدم قليلاً من الشدة والحزم مع الأشرار الذين يسمونهم "الدولة العميقة"، وهذا صحيح إلى حد كبير، وكنت من الذين طالبوا بإلغاء جهاز أمن الدولة، وطالبت بهيكلة وزارة الداخلية، وتطهير القضاء والخارجية والصحافة والإعلام والثقافة، وكتبت كثيراً في عمودي اليومي "حفنة سطور" الذي كانت تنشره "الأهرام" وأوقفه الانقلاب يوم 3/7/2013م، كان يؤمن بالإصلاح التدريجي، ولكنه وكثير من المصريين ما كانوا يظنون أن عصر الانقلابات العسكرية يمكن أن يعود بعد ثورة عظيمة سلمية أبهرت الدنيا وأدهشت العالم، وما كانوا يتصورون أن أجهزة أمنية يفترض أن تحمي الوطن تتآمر عليه وتعبئ عملاءها في شتى المجالات لتُفشل الرئيس المنتخب، وتسعى لتشويه صورته، وكسر هيبته، وتعويق مسيرته، وتأليب السفهاء والأشرار عليه وملاحقته من أول يوم تولى فيه الحكم، لدرجة أن يكتب أحدهم في صحيفته المخابراتية عنواناً يقول: "الفاشي في الاتحادية!". لم يكن محمد مرسي فاشلاً أو ضعيفاً أو رخواً بقدر ما كانت المؤامرة أقوى منه، والغدر أخس وجوداً، والخيانة أبشع سلوكاً.. ما بالك برجل ناجح يعمل مهندساً أو معلماً أو طبيباً أو كاتباً أو تاجراً أو.. ويأتي من وراء ظهره بلطجي أو لص أو قاطع طريق، ويهوي بهراوة غليظة على رأسه فيفقده التوازن ثم ينهار ويغمى عليه ولا يدري بنفسه؟! هذا ما جرى لكثيرين ومن أجهزة بعينها، ضربوا مجدي أحمد حسين في باب الخلق حتى فقد النطق، خطفوا عبدالوهاب المسيري وزوجه وألقوا بهما في الصحراء، لقنوا جمال بدوي وهو في سيارة علقة ساخنة، ثم اطمأنوا عليه هاتفياً! انهالوا على مذيع "الجزيرة" أحمد منصور بالضرب المبرح فقدم بلاغاً على الهواء. لا يعني أن من تعرضوا للغدر فاشلون أو ضعفاء في مجال عملهم، ولكنها الوحشية الخائنة حين تطيح بالدستور والقانون والأخلاق وإرادة الشعب، لقد حقق محمد مرسي خطوات رائعة على طريق التخلص من الدولة العميقة، ولكنهم لم يمهلوه فغدروا به وخانوه وأهانوا شعبه، يذكر التاريخ أن الرجل خلع أقوى رأسين مزمنين في القوات المسلحة، وغيّر عديداً من القيادات في الداخلية، وخلع النائب العام الذي كان يشكو منه الثوار، ولكن الغدر عاجله، ولم يتح له فرصة ليعمل، وعملت الأبواق المأجورة عملها بالترويج لما يسمى "الأخونة"، والدولة الدينية الأصولية، والانفراد بالسلطة، والفشل في حل مشكلات الجماهير. أبلى أراذل الناصرية وحثالة اليسار وأوغاد التنظيم الطليعي وأوساخ المرتزقة بلاء غير حسن في العمل لحساب الغادرين المتآمرين، فقلبوا الحقائق، وأمطروا الناس بالأكاذيب، ودلسوا على الدنيا، بينما الرئيس المنتخب لا يجد منبراً جيداً يواجه هذا الطوفان الإعلامي الفاجر، فجماعته لم تول المجال الإعلامي والثقافي الاهتمام المفترض، ثم كان التحالف الشرير الذي جمع الكنيسة أو دولة الكنيسة بمعنى أدق، وفلول اليسار والحزب الوطني والأحزاب الكرتونية وأحزاب أمن الدولة الملتحية والمغيبين ممن صدقوا إعلام العار ليخرجوا جميعاً في مظاهرات شجعتها أطراف الغدر والخيانة ويزعموا بعدها أن ثلاثين مليوناً ملؤوا ميدان التحرير! وتنتشر مئات بل آلاف الدبابات في الشوارع والميادين بحجة حماية المنشآت ويتم إعلان الانقلاب في مشهد يذكر بسقوط غرناطة آخر ممالك الأندلس، حيث جلس تواضروس؛ المرشد الأعلى للانقلاب ومن حوله بعض العمائم الفاسدة وذوو اللحي الخائنة وخدام الغرب واليهود. لم يكن مرسي فاشلاً، ولكن المتآمرين أعلنوها صريحة: الهوية الإسلامية مرفوضة، الرئيس المسلم مرفوض، النظام الإسلامي المفترض مرفوض، الاكتفاء الذاتي مرفوض، الاستقلال الوطني مرفوض. كان من الطبيعي أن يطاح برئيس يبحث توفير الخبز والدواء والسلاح على أرض بلاده، وكان من الطبيعي أيضاً ألا يسمح من جاؤوا بالحكم العسكري بقيادة البكباشي الأرعن عام 1952م بأن يعود حاكم مدني بعد فاروق أياً كانت شخصيته أو انتماؤه، فالحرية ممنوعة والديمقراطية مستحيلة والعدالة حلم من أحلام ليالي الصيف! مرسي لم يكن فاشلاً فقد قلص الإنفاق السفيه، وتبنى مشروعات إنتاجية حقيقية، وليس الحفر على الناشف، وكان يسعي لتعمير سيناء، وليس تفريغها لصالح العدو النازي اليهودي، بالإضافة إلى أنه أنصف العمال والموظفين والمعلمين وأساتذة الجامعات ورفع مرتباتهم، كما ضاعف معاش الضمان الاجتماعي، وألغى ديون الفلاحين، ووضع حداً أدني وآخر أقصى للأجور، وخصص معاشات استثنائية لأسر الشهداء وثبت العمالة المؤقتة، وأسس لحركة تصنيع مستقبلية في مختلف المجالات، وسحب أراضي الدولة ممن كانوا يتاجرون بها ولا ينفذون المشروعات المخصصة لها، واهتم بالاستثمار وتوقيع اتفاقيات مع الدول التي تستثمر وتنتج.. وغير ذلك من مشروعات يسجلها له التاريخ بحروف من نور، ولكن الغدر لم يسمح له أن يستمر! ولا أظن أن سلوك الرئيس مرسي مسلكاً خلقياً مع اللئام والمنافقين يجعلنا نصفه بالفاشل، ولكن يجب أن نوجه سهام النقد لفضح المتآمرين والخونة، ونسعى لكشفهم أمام العالم، فقد قتلوا وذبحوا وأحرقوا البشر، ثم عاثوا في الأرض فساداً ومازالوا. الله مولانا، اللهم فرج كرب المظلومين، اللهم عليك بالظالمين وأعوانهم! * مقال نشر بمجلة المجتمع بتاريخ 26 ماي 2015.