هوية بريس – الخميس 09 يوليوز 2015 الحمد لله تمام حمده والصلاة والسلام على نبيه وعبده محمد وعلى آله وصحبه. وبعد؛ فلقد منّ الله تبارك وتعالى علينا بشهر كريم، وأكرمنا بأيامه ولياليه، وتعرضنا فيه لعظيم نفحاته في أوله ووسطه، وهانحن بحمد الله في أواخره، نتلمّس أعظم ليلة فيه، إنّها ليلة القدر، قال تعالى في وصفها (وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر)1 خير من عبادة ألف شهر، خير من عبادة ثلاث وثمانين سنة ونيف، ولك أن تعد كم أدركت منها في حياتك لو قلنا سن البلوغ على 15 سنة وعمرك الآن 35 سنة فقد وفقت للطاعة 1660 سنة، وإن فرطت فيها بنوم وغفلة أو إعراض فقد ضيعت هذا العمر… فالمغبون من حرم خيرها وأجرها… ولعظم هذه الليلة كان نزول القرآن فيها قال سبحانه (إنّا أنزلناه في ليلة القدر)2، وقال سبحانه (إنّا أنزلناه في ليلة مباركة إنّا كنّا منذرين فيها يفرق كل أمر حكيم أمراً من عندنا إنا كنا منزلين رحمة من ربك إنه هو السميع العليم)3. نعم – قدّر الله فيها آجال وأعمار وأرزاق العباد وما سيكون خلال السنة وهذا نوع من التقدير، قال سبحانه (فيها يفرق كل أمر حكيم أمراً من عندنا)4. وهي الليلة التي يتنزّل فيها الملك جبريل عليه السلام صحبة الملائكة، قال سبحانه (تنزل الملائكة والرّوح فيها بإذن ربّهم من كل أمر)5. حقّاً إنّها ليلة عظيمة وغالية، نزل فيها كتاب ذو قدر، على لسان ملك ذو قدر، على رسول ذو قدر، على أمّة ذو قدر، قال سبحانه (سلام هي حتى مطلع الفجر)6 فليلتها كلها سلام وخير وبركة، ليس فيها شر حتى يطلع فجر اليوم الذي يليها. فأيُّ ليلة هي؟ الأكثرون على أنها ليلة السابع والعشرين، وعليها كان يحلف أبي بن كعب ولا يستثنيها، و بها قال ابن عبّاس رضي الله عنه حتى أنه كان يستنبط لها استنباطاً عجيباً يقول -رضي الله تعالى عنه-: إنّ الله تعالى خلق السماوات سبع، والأرضين سبع، وجعل الأيام سبع، وخلق الإنسان في سبع وجعل القرآن سبع، والسعي بين الصفا والمروة سبع، ورمي الجمار سبع، والطواف سبع، وفي قوله تعالى (تنزّل الملائكة والرّوح فيها) هي الكلمة السابع والعشرين فلا يستبعد أن تكون ليلة القدر هي ليلة السابع والعشرين7. وجاءتنا أحاديث أخرى عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تقول: "التمسوها في العشر الأواخر في تاسعة تبقى، في سابعة تبقى، في خامسة تبقى"8. ولهذا رأى بعضهم أنّها تنتقل جمعاً بين أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنّ الله تعالى أخفاها كما أخفى قيام الساعة، وساعة الإجابة يوم الجمعة، واسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب. ألا وإن خير ما يدعو به المسلم في هذه الأيام المباركات ما جاء جوابا في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمنا عائشة رضي الله عنها ومنها إلى الأمة تقول: "يا رسول الله أرأيت أي ليلة القدر ما أقول فيها قال: "قولي اللهمّ إنّك عفو كريم تحب العفو فاعف عنّي"9. فنسأل الله أن يجعلنا ممن أدركها ووفق لإحيائها وقيامها قال عليه الصلاة والسلام: "من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه"10. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين… 1- سورة القدر الآية:2. 2- نفس السورة الآية:1. 3- سورة الدخّان الآية:3. 4- نفس السورة الآية:5. 5- سورة القدر الآية:4. 6- نفس السورة الآية:5. 7- تفسير ابن كثير 4/ 690. 8- راجع تفسير ابن كثير 4/ 690 لمعرفة تفاصيلها وأقوال العلماء فيها أكثر. 9- الترمذي 3513 والنسائي 872 وابن ماجه 3850. 10- البخاري 4/ 221 ومسلم 760 عن أبي هريرة رضي الله عنه.