لا تزال الحضارة الإسلامية تتعرض لهجوم تلو آخربوصفها العدو الأول الذي يشكل خطرا محدقا وتهديدا دائما للوجود الغربي ماديا ورمزياوستستمر هذه العلاقة الجدلية بين الإسلام والكيانالغربي قائمة ولن يرتاح هذا الأخير حتى يتم القضاءبشكل نهائي على كل ما يمت إلى الإسلام بصلة.ولقد حاولت العديد من الدول على مر التاريخ طمس معالم هذا الدين من الوجود الفعلي لحياة الإنسان المسلم من خلال فرض قيم جديدة عليه وتغيير سلوكه ونمط عيشه ليتلاءم مع ما يسمى بالثقافة الكونيةأو القيم الشمولية التي تعني أساسا القيم الغربيةدون غيرها وتعريض كل شخص حاول رفضالاندماج في هذه المنظومة الكونية للاستئصال أو التهجير كتعبير عن عملية تطهير شاملة للوجود الإسلامي على رقعة هذه الدول. وما دام عنصر الممانعة حاضرا في الواقع الإسلامي فإن الحرب ستظل قائمة بين الطرفين الأنا والغير وستظل نظرية السيد والعبد سارية المفعول بما تقتضيه من وجود طرف حاكم مسيطر محكم قبضته على كل ثروات العالم وآخر تابع له فكرا وسلوكا يحتل موقع الهامش ويقتات على الفتات، وسيظل هذا الصراع الأزلي قائما على أشده ما دام الإسلام يمثل شوكة في حلقكل داع إلى التفسخ والانحلال وإلى تمييع القيموإضعاف دورها في المجتمع ومحاولة وضع الدينخارج سياق النشاط الإنساني ، وتغييب دوره كفاعل أساسي في الحقل المجتمعي. ولقد تمكنت الدولالغربية بزعامة أمريكا من تذويب كل الخصوصيات الحضارية في بوتقة العولمة وفك شفرات العديد من الحضارات الإنسانية لتناسب مقاسها التنويري الحداثي إلا أن الإسلام ظل الاستثناء الوحيد في العالم الذي لم ينل منه طوفان العولمة بحيث ظل نموذجا متفردا نظرا لطبيعته التي تستعصي على التجزئة لحد التماهي أو الذوبان، ولما له من قدرة فائقة على مواكبة الحياة بما يتسم به من المرونة في التعاطي مع النوازل والمستجدات بفضل آليةالاجتهاد الشرعي المنضبط والفكر المقاصدي الممتد في الأفق الزمني دون نهاية وهي ميزات لم يحظ بها أي دين من الأديان السائدة في العالم. وإذا كان المد الأجنبي للعولمة قد فشل في إحكام قبضته وفرض تغييره المنشود في المنطقة العربية والإسلامية فإنه لجأ إلى تبني استراتيجية جديدة تمثلت بالأساس في زرع بذور هذا الفكر الغربي المتحرر في أذهان الكثير من بني جلدتنا الذيناستقطبتهم الأجهزة الأيديولوجية الغربية ليصبحوا بعد ذلك أبواقا لترويج البضاعة الأيديولوجيةالكاسدة الداعية إلى التحرر من ربقة الدين وقيمهومبادئه. وبالانتقال إلى المشهد المغربي وما عرفه من تطور على المستوى الحقوقي من قبيل إقرار حرية الرأيوالتعبير كمبدأ دستوري وحق من حقوق الفرد في المجتمع، أصبح لهؤلاء فضاءات خاصة لاستهداف الشباب الذين هم أكثر عرضة من غيرهم لتلقي هذهالمبادئ والقيم الدخيلة فكرا ومنهجا وممارسة، وتبعا لذلك لا تكاد تخلوا مناسبة دينية أو تشريعية منجدال حول قضايا كانت تعد بالأمس القريب منالمسلمات الدينية التي لم يكن يثار النقاش حولها إلا على سبيل التذكير بأهميتها أو بخطورتها الدينية والدنيوية لكن مع الأسف الشديد أصبحنا نرى في بعض ما تنشره الصحف والمواقع الالكترونية شيئا من هذا التوجه نحو التمييع وتخطي الآداب والحدود الشرعية بل واستهداف المقدسات التي تعتبر خطا أحمر ليس فقط على مستوى دول العالم العربي والإسلامي بل في جميع مناطق العالم. وفي هذا السياق الاستفزازي خرجت أستاذة لمادة الفلسفة في الأيام القليلة الماضية بمنشور تستهدف فيه شخص الرسول صلى الله عليه وهو أمر لا يمكن أن نقبل به كمسلمين نظرا لما يمثله شخص الرسولفي حياتنا باعتباره النموذج الكامل المنزه عن كل نقص بشري، وبوصفه المثل الأعلى والقدوة الحسنة لكل فرد مسلم وبالتالي فالمساس به هو هدم للدين من أساسه وإبطال للرسالة المحمدية. وأقول بكل أسف لهذه الأستاذة ولكل من يؤيدها يتوجب عليكمقبل أن تتوجهوا بهذه الأحكام المتسرعة أن تقرؤواأولا تفاصيل وأحداث سيرة النبي صلى الله عليه وسلم قراءة علمية موضوعية بعيدة عن النزعة الذاتية وعن الخلفية الإيديولوجية التي تحجب الكثير من الحقائق وأن تقرأوا ثانيا ما كتبه المنصفون منعلماء الغرب وفلاسفته في حق الرسول الكريم صلى الله عليه لتدركوا حجم وحقيقة الإنسان الذي تتحدثون عنه. ويكفي أن نقف على نموذج واحد من الشهادات الخالدة في حق الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهي شهادة من العالم الأمريكي الكبير مايكل هارث الذي ألف كتابا تحت عنوان "مائة رجل من التاريخ" حيث ذهب في مؤلفه هذا إلى اعتبارالرسول صلى الله عليه أعظم شخصية في التاريخ معللا هذا الاختيار بقوله: إن اختياري محمدا ليكون أهم وأعظم رجال التاريخ قد يدهش القراء، ولكنه الرجل الوحيد في التاريخ كله الذي نجح على المستويين الديني والدنيوي". ولقد كان بإمكان مايكل هارث أن يضع المسيح عليه السلام في المرتبة الأولى باعتباره رمز الديانة المسيحية السائدة في العالم الغربي إلا أنه مع ذلك اختار محمدا صلى الله عليه وسلم ليكون على رأس هذه القائمة وهو اختيار لم يكن اعتباطيا وإنما كان مبنيا على أسس علمية وموضوعية دقيقة ظل الرجل وفيا لها إلى أن انتهىبحثه إلى هذه النتيجة الحتمية التي تعطي الأفضلية المطلقة لشخص الرسول صلى الله عليه وسلم باعتباره الأكثر تأثيرا على مر التاريخ. وقد يضيق المقام حقيقة لسرد كل ما كتب في حق الرسول صلى الله عليه وسلم من طرف كبار العلماءوالمفكرين والفلاسفة والأدباء والمصلحين الاجتماعيين والمؤرخين وغيرهم إلا أننا نقول بتركيز شديد إن هذه الشهادات تعكس بجلاء القيمة الحقيقية لشخص الرسول صلى الله عليه وسلموالمكانة العلية التي يحظى بها بين عظماء التاريخ، وبالتالي فلا عبرة بما يقوله هؤلاء الذين يتصدرون المشهد الإعلامي ولا قيمة لتلك الزعقات والخرجات البهلوانية التي لا تنم إلا عن ضحالة فكرية وقصور معرفي وحقد دفين تجاه الإسلام ومقدساته ورموزهإرضاء للطرف الآخر المعادي وتنفيذا لما قد فشل فيتحقيقه خلال عقود من الزمن.