قال الهيئة الشرعيّة للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بأن الصلاة المفروضة في الوضع الحالي قد يطرأ عليها ما ينقص من بعض سننها وآدابها، ومن ذلك تسوية الصفوف واقتراب المصلين وسدّ الفجوات بينهم بسبب خوف اقتراب المسلم من أخيه خشية انتشار العدوى وانتقال الأمراض ونحو ذلك. وللجواب عن هذه الصورة قالت الهيئة العلمائية: أوّلًا: تأكيد ما اتفقت عليه المجامع والمجالس الفقهيّة واللجان الإفتائيّة من صحّة ترك الجمع والجماعات اتقاءً لضرر وباء كورونا ومنعًا لانتشاره بين الناس، وذلك لأنّ الشريعة المطهّرة مبنية في مصادرها ومواردها على اليسر ورفع الحرج ودفع الضرر والمفاسد الخاصة والعامة، وقد بيّنت الفتاوى السابقة الأدلة التفصيليّة على ذلك. ثانيًا: الأصل في تقدير المفسدة المترتبة على تجمع الناس في مكان واحد هو للجهات الطبية المختصة المعنية بذلك، وما على المسلمين إلا التقيّد بالتعليمات الصحيّة الصادرة من هذه الجهات مع التذكير بأنّ هذه التعليمات واجبة الاتّباع شرعًا لما يترتّب على مخالفتها من إضرار بالنفوس قد يعرّضها للموت والهلاك، وقد قال تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}]النساء:29[. ثالثًا: إنّ تسوية الصفوف في الجمع والجماعات وتراصّها وتعديلها وإتمام الصف الأول فالأول وسدّ الفُرَج والخلل بين المصلين هو من الهدي الثابت عن نبينا- صلى الله عليه وسلم- فعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: "سَوُّوا صُفُوفَكُمْ، فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصَّفِّ مِنْ تَمَامِ الصَّلاةِ" رواه البخاري (ح 690) ومسلم (ح433) ،وفي رواية البخاري: "سَوُّوا صُفُوفَكُمْ، فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصُّفُوفِ مِنْ إِقَامَةِ الصَّلاةِ" وعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ مَنَاكِبَنَا فِي الصَّلاةِ وَيَقُولُ : "اسْتَوُوا ، وَلا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ" رواه مسلم (432) وقد حمل جمهور الفقهاء الهدي النبوي في ذلك على أنّه من سنن صلاة الجماعة وآدابها وليس من واجباتها وفرائضها، واتفقوا على أنّ الصلاة لا تبطل بترك تسوية الصفوف وتراصها عمدًا ولا سهوًا. رابعًا: إنّ حكم صلاة الجماعة والجمعة على الهيئة المذكورة صحيحة. مع لزوم اتّباع إجراءات الوقاية الصحيّة المطلوبة سواء منها المتعلّقة بسلامة الأفراد من حيث العمر والحالة الصحيّة للمصلّين وخضوعهم للتعقيم قبل دخولهم المساجد، أو المتعلقة بالمكان من حيث التعقيم الصحّي ونحو ذلك، وعندئذ لا حرج في تباعد المصلّين في الصف بعضهم عن بعض مسافة كافية للسلامة الصحية، فترك سدّ الفُرَج بين المصلين مكروه عند جماهير العلماء في حالة الاختيار والسعة، أمّا في حالة الحاجة والاضطرار فإنّ هذه الكراهة تسقط عن المكلف لقاعدة سقوط الكراهة عند أدنى حاجة. وأما من فعل ذلك مع المخالفة للإجراءات المقرّرة من قبل الجهات الصحيّة المعنية القاضية بمنع التجمّعات في المساجد ونحوها، وبعيدًا عن إشرافها وإقرارها لذلك، فإنه آثم ويتحمّل المسؤوليّة الكاملة عن الآثار المترتبة على هذه المخالفة، وذلك من جهة مخالفتهم لما اتفقت عليه فتاوى المجامع والمجالس الفقهية من حرمة هذا الفعل وحرمة تعريض أنفسهم ومجتمعاتهم لخطر انتشار العدوى والمرض. والله ولي التوفيق والله أعلم ، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم . والحمد لله رب العالمين.اه