هوية بريس – نبيل غزال هذا السؤال يطرح نفسه بقوة اليوم في مجتمع يعرف تسيبا جنسيا كبيرا، وترتفع فيه نسب عمليات الإجهاض -حسب إحصائيات جمعوية- لتقارب 800 حالة يوميا، والأمهات من زنا/"الأمهات العازبات"؛ وكل يوم يفجع فيه المطالعون للأخبار بجنين ملقى في حاوية للأزبال أو وسط حديقة أو أمام باب مسجد.. أو غير ذلك. فواقعنا لا يخفى على أحد، فرغم التجريم القانوني للزنا؛ فهناك تسامح كبير مع العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج، بل باتت المغربيات مشهورات في ميدان الدعارة والفساد بالخليج وآسيا وأوروبا وإفريقيا أيضا.. ما يعني أن سبل تصريف الشهوة بالطرق المحرمة دينا متيسرة بل قريبة ممَّن طلبها، وفي ظل هكذا وضع، نجد على الطرف الآخر من يسعى لتصريفها بطرق مخالفة للقانون نعم، لكنه يحاول أن يجد منفذا من الناحية الفقهية ليشبع رغبته دون أن يحس بوخز الضمير، أو يشعر أنه يرتكب كبيرة ويخالف حدود الشرع. هذا الحرج، وفق ما صرح به بعض المستجوبين لجريدة "السبيل"، وقعوا فيه بسبب التضييق الذي أحدثته مدونة الأسرة، والتي شددت على زواج التعدد، وحددت سن زواج الفتاة في 18 سنة، وكل من أراد أن يزوج ابنته أو يعدد زوجاته لا يملك، أمام هذا التشديد والمساطر المعقدة سوى أن يتحايل على القانون ليجد لنفسه مَخرجا. طبعا هناك أصناف أخرى غير ما ذكرت، تتحايل لتستغل بنات الناس لتحقق أهدافا دنيئة، وحينما نتحدث عن مجتمع فنحن نتحدث عن اختلاف وتفاوت في التربية والقيم والأخلاق، وحديثنا هنا ليس عمن ينوون الشر ابتداء دون اكتراث بالضرر الذي يتسببون فيه للآخرين، وإنما حديثنا عمَّن غايتهم الإحصان والعفاف، وتكوين أسرة ثانية، وتحمل مسؤولية النفقة والتربية وغير ذلك. هذا الصنف من المواطنين متضرر بشكل كبير من تشديد مدونة الأسرة التي صدرت في ظرفية حساسة، تميزت بتجاذبات أيديولوجية وصراعات المرجعية، ونحن اليوم على بعد 15 سنة من إخراج المدونة لحيز التنفيذ، وجل المهتمين بهذا الموضوع يطالبون بإدخال تعديلات عليها، لكن كل وفق قناعاته والمرجعية التي يصدر عنها. فالتيار العلماني الذي لا فرق لديه بين الولادات في فراش الزوجية والولادات خارج إطار الزواج، ولا مشكلة لديه في ممارسة الجنس بكل حرية خارج القانون وخارج الشرع، بل يناضل من أجل تحريره؛ يطالب اليوم بحذف المادة 16 من مدونة الأسرة والمتعلقة بثبوت الزوجية، وغايتهم إلحاق مزيد من التضييق على تعدد الزوجات، لا لشيء سوى لأهداف أيديولوجية، تنطلق من مفهوم متطرف للمساواة، ينظرون من خلاله إلى المجتمع المغربي المسلم بنظارتين غربيتين، فلا يعيرون لخصوصية التقاليد أهمية ولا للشرع حرمة، لهذا فهم لا يعتبرون هذا الزواج تشريعا ربانيا، بل "ممارسة تقليدية ضارة بالمرأة"، وتمييزا ضدها يعارض مبدأ المساواة بين الجنسين. التيار ذاته يطالب أيضا بمزيد من التشديد على زواج الفتاة تحت سن الثامنة عشر، لأنه يعتبره عنفا ضدها وتحكما في حياتها الجنسية، الغريب هو أن من يطالب بمنع باتٍّ وشامل لزواج الفتاة تحت سن الثامنة عشر هو من يرفع مطلب الحرية الجنسية وحق الفتاة في هذا السن وغيره في ربط "علاقات جنسية آمنة" مع من تشاء وقتما تشاء، ويزدري العفة والعذرية ويعتبرهما عادات جاهلية متخلفة موغلة في الفكر الذكوري. فالموضوع وبكل اختصار هو تضييق على كل مصرف للشهوة حلال، وفتح للباب على مصراعيه لكل تصريف حرام، سواء تعلق الأمر بالنسبة للذكر أو الأنثى. وبالنظر إلى ما آل إليه الوضع اليوم، بعد الخضوع لضغط المؤسسات الغربية التي تعنى بالمرأة والسكان، وما تبذله من حماية ودعم للتيار العلماني الذي يدفع في هذا الاتجاه، فإنه بات لزاما إعادة النظر في هذه النصوص المستنكرة مجتمعيا والتي تدفع بكثير من المواطنين إلى التحايل على القانون، وإيلاء الاهتمام لمواضيع أكثر حاجة وراهنية، تحفظ كرامة المرأة وحقوقها، وتضمن سلامة الأسرة، واستقرار المجتمع.