تناولنا في مقال سابق الرد على زعم منكري النبوة أن محمدا صلى الله عليه وسلم كان راغبا في المال والجاه، وفي هذه الحلقة وما يليها سنفند ادعاءهم رغبته في النساء واتخاذ النبوة مطية لذلك، وهي شبهة رددها المستشرقون وتلقفها الملاحدة وروجوها على ضعاف النفوس ومن يجهل حقائق سنبينها إن شاء الله. 1) البيئة التي كانت عليها الجاهلية في علاقة الرجال بالنساء: هذه البيئة كانت منفتحة على أشكال من العلاقات الجنسية المتعددة تشبه ما تدعو إليه اليوم الحداثة المعلية من شأن الجسد والمتعة، وذلك قبل أن يحرمها الإسلام. ذكرت السيدة عائشة أمُّ المؤمنين – رضي الله عنها – أربعةً منها، فروى البخاري في كتاب النكاح من "صحيحه" حديث رقم (5127) من طريق يونسَ بنِ يزيدَ عن ابن شهاب الزهري قال: أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة زوجَ النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته «أَنَّ النِّكَاحَ فِي الجَاهِلِيَّةِ كَانَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَنْحَاءٍ: فَنِكَاحٌ مِنْهَا نِكَاحُ النَّاسِ اليَوْمَ: يَخْطُبُ الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ وَلِيَّتَهُ أَوِ ابْنَتَهُ، فَيُصْدِقُهَا ثُمَّ يَنْكِحُهَا. وَنِكَاحٌ آخَرُ: كَانَ الرَّجُلُ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ إِذَا طَهُرَتْ مِنْ طَمْثِهَا: أَرْسِلِي إِلَى فُلاَنٍ فَاسْتَبْضِعِي مِنْهُ، وَيَعْتَزِلُهَا زَوْجُهَا وَلاَ يَمَسُّهَا أَبَدًا، حَتَّى يَتَبَيَّنَ حَمْلُهَا مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي تَسْتَبْضِعُ مِنْهُ، فَإِذَا تَبَيَّنَ حَمْلُهَا أَصَابَهَا زَوْجُهَا إِذَا أَحَبَّ، وَإِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ رَغْبَةً فِي نَجَابَةِ الوَلَدِ، فَكَانَ هَذَا النِّكَاحُ نِكَاحَ الِاسْتِبْضَاعِ. وَنِكَاحٌ آخَرُ: يَجْتَمِعُ الرَّهْطُ مَا دُونَ العَشَرَةِ، فَيَدْخُلُونَ عَلَى المَرْأَةِ، كُلُّهُمْ يُصِيبُهَا، فَإِذَا حَمَلَتْ وَوَضَعَتْ، وَمَرَّ عَلَيْهَا لَيَالٍ بَعْدَ أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا، أَرْسَلَتْ إِلَيْهِمْ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ رَجُلٌ مِنْهُمْ أَنْ يَمْتَنِعَ، حَتَّى يَجْتَمِعُوا عِنْدَهَا، تَقُولُ لَهُمْ: قَدْ عَرَفْتُمُ الَّذِي كَانَ مِنْ أَمْرِكُمْ وَقَدْ وَلَدْتُ، فَهُوَ ابْنُكَ يَا فُلاَنُ، تُسَمِّي مَنْ أَحَبَّتْ بِاسْمِهِ فَيَلْحَقُ بِهِ وَلَدُهَا، لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَمْتَنِعَ بِهِ الرَّجُلُ. وَالنِكَاحُ الرَّابِعِ: يَجْتَمِعُ النَّاسُ الكَثِيرُ، فَيَدْخُلُونَ عَلَى المَرْأَةِ، لاَ تَمْتَنِعُ مِمَّنْ جَاءَهَا، وَهُنَّ البَغَايَا، كُنَّ يَنْصِبْنَ عَلَى أَبْوَابِهِنَّ رَايَاتٍ تَكُونُ عَلَمًا، فَمَنْ أَرَادَهُنَّ دَخَلَ عَلَيْهِنَّ، فَإِذَا حَمَلَتْ إِحْدَاهُنَّ وَوَضَعَتْ حَمْلَهَا جُمِعُوا لَهَا، وَدَعَوْا لَهُمُ القَافَةَ، ثُمَّ أَلْحَقُوا وَلَدَهَا بِالَّذِي يَرَوْنَ، فَالْتَاطَ بِهِ، وَدُعِيَ ابْنَهُ، لاَ يَمْتَنِعُ مِنْ ذَلِكَ. فَلَمَّا بُعِثَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالحَقِّ، هَدَمَ نِكَاحَ الجَاهِلِيَّةِ كُلَّهُ إِلَّا نِكَاحَ النَّاسِ اليَوْمَ..) وأنكحة أخرى لم تذكرها السيدة عائشة، كانت منتشرة في الجاهلية، منها: نكاح الشغار: وفي هذا النوع من الزواج يزوج الرجل وليته إلى رجل أخر على أن يزوجه الأخر وليته ولا يكون بينهم صداق أو مهر. وقد حرم رسول الله محمد ص هذا النوع من الزواج ونهي عنه. نكاح المساهاة: وفي هذا النكاح إذا تم أسر شخص ما فيمكن أن يفك أسره إذا منح أخته أو أبنته إلى الأسير بدون مهر أو صداق. نكاح المقت: وفي هذا النكاح يتزوج أكبر أولاد المتوفى من زوجة أبيه أو يرث نكاحها، وله الحق في منعها من الزواج حتى تموت فيرثها، أو يزوجها إلى أحد أخوته بمهر جديد. فهل كان محمد صلى الله عليه وسلم بحاجة لادعاء النبوة والرسالة ليصل إلى شهوة النساء، وهي متاحة بقدر كبير للغني والفقير في مجتمع الجاهلية؟! هذه العلاقات الجنسية المتعددة سيبطلها الإسلام فيما بعد إلا الزواج الشرعي، ولم يعرف عن النبي قط أنه اقترب من شيء منها، وإلا كان ذلك ذريعة المشركين للطعن في أحكام الإسلام..! بل لو حصل هذا – وحاشاه صلى الله عليه وسلم – لما سكت عنه كفار قريش ، ولعدوا ذلك عيبا عظيما ، ولتخذوه ذريعة في رد دينه ، وتشويه سمعته، ولكن شيئاً من ذلك لم يكن ، بل كانوا يلقبونه قبل النبوة ب (الصادق) و (الأمين) ولم يطعنوا في عفته قط . 2) الزواج الأول للنبي محمد عليه السلام: الزَّواج الأول للنَّبي محمد عليه السلام باتفاق من كتبوا في سيرته كان بالسيدة خديجة بنت خويلد، وكان عُمر النَّبي حينذاك خمساً وعشرين سنةً، أمّا السَّيدة خديجة فكان هذا الزَّواج الثَّالث لها؛ فكان زوجها الأول عُتيق بن عائذ المخزوميّ، وبعد وفاته تزوّجت من أبو هالة التَّيميّ فمات عنها ولها منه ولدٌ، ثُمّ تزوجت بالنّبي، وأنجبت له جميع أولاده عدا إبراهيم، وكانت تبلغ من العُمر أربعين سنةً، أي أنها تكبر النبي بخمسة عشرة سنة..! توفيت بعد وفاة أبي طالبٍ عمّ النَّبي الكريم بفترةٍ وجيزةٍ، وذلك في رمضان في السَّنة العاشرة للبعثة في مكّة؛ فحزن الرَّسول العظيم حُزناً شديدًا على فراقهما معاً؛ وسُميّ هذا العام عام الحُزن. لم يتزوج محمد عليه السلام في حياة خديجة غيرها من النساء حتى ماتت وعمرها 65 سنة وعمره هو 50 سنة، أي أنه قضى زهرة شبابه مدتها 25 سنة مع هذه المرأة العظيمة الكبيرة في السن..! بعد وفاة السيدة خديجة تزوج النبي بزوجته الثانية وهي سودة بنت زمعة رضي الله عنها بعد وفاة زوجها، وكانت امرأة مسنة..! فهل مثل هذا ينعت بالشهوانية كما يزعم المستشرقون ومن نحا نحوهم..؟!! وسنخصص حلقة كاملة عن زواجه بعائشة ودحض شبهات من يستنكر ذلك الزواج لفارق السن الكبير بينهما، كونها طفلة، فيزعمون أن ذلك اغتصاب للطفولة..!