– هوية بريس لنا أن نتخيل لو أن فصيلا إسلاميا، أيا كان، قام وهاجم محاضرة أحد الوجوه العلمانية المعروفة، وخرب القاعة، وكسر "الكاميرا"، وأخرج السواطير والعصي وهاجم المحاضرين والمستمعين، كيف ستكون ردود الأفعال؟! أعتقد أن أغلب المتابعين يعلمون ما سيقع، وما ستكتبه الجرائد الورقية والإلكترونية، ومن ستستضيف المنابر الإعلامية وبلاطوهات دوزيم 2M وMedi1TV وهلم جرا، ومن سيوضع في دائرة الاتهام، وكيف سيستغل الفصيل العلماني الحدث ويركب عليه ليحوله إلى حدث دولي تتناوله جل وسائل الإعلامية الغربية والشرقية. لكن أن يهاجَم دكتور جامعي، وفقيه مقاصدي مغربي، ورئيس اتحاد علماء المسلمين، في بلده، وبين أبنائه وعشيرته، فهذا أمر لا يستدعي أي رد فعل، وكأن ما حصل معه تطرف مقبول به، بل هو جزاء مستحق، من أجل هذا لم تحرك المنابر المذكورة ساكنا، ولا أصدرت الجمعيات والائتلافات التي تدعي محاربة التطرف بيانا، ولا استنكرت الأحزاب السياسية التي تؤمن بقيم الديمقراطية والتعددية وحرية التعبير ما وقع يومَ الأربعاء 24 أبريل 2019 بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بمرتيل. هذا الصمت المطبق إزاء هذا الإرهاب القاعدي يكشف أن لكل مفهومه حول الإرهاب، وأن الإرهاب الذي يطال الإسلاميين، لا في المغرب وحده بل في غيره من الدول الأخرى، لا يدخل عند الفصيل العلماني في مسمى الإرهاب، حتى وإن تم الاعتداء على الأشخاص وسفكت الدماء وأزهقت الأرواح. ذكرني الحدث الإرهابي الذي وقع للدكتور الريسوني بكلمة له يوم الجمعة 4 غشت 2017، أرَّخ فيها لمرحلة عاشها وكابد معاناتها، قال فيها: "حينما نتحدث في الجامعة في بداية السبعينيات كنت أقولها ومازلت: كان الدين الرسمي الوحيد هو الماركسية واللينينية والإلحاد والعبثية، ولا شيء يسمح به سوى ذلك، يحاكم من يكتشف أنه يصلي، تحاكم الفتاة الطالبة المتحجبة، يحاكم من يبدأ بسم الله الرحمن الرحيم إلخ".. هذه الكلمات المعدودات تناولتها المنابر الإعلامية الصامتة صمت اللئيم اليوم، واعتبرت كلماته تكفيرا للطلبة المغاربة، وأن "خطابه ينهل من قاموس التطرف"، وأعرب أحمد الدريدي، منسق ما يسمى ب(الجبهة الوطنية لمحاربة الإرهاب والتطرف) بأن "التيار الذي يدافع عنه الريسوني قضى على الفكر المتنور الحامل لقيم الحرية والديمقراطية داخل الجامعة". وصرح يونس مجاهد، بلغة غاب عنها التحليل وغلب عليها السب والتعيير، بأن خليفة القرضاوي "ليس له من مرجعية لقراءة تاريخ الحركة الطلابية والجامعية سوى مرجعية إدريس البصري والأجهزة القمعية". أما عبد الحميد جماهري فتساءل "هل يعيد الشيخ أحمد الريسوني توجيه الطلبة الإسلاميين نحو محاربة اليسار، والعودة إلى الفتح العقدي".اه. وقد كشفت الأيام أن الفتح العقدي هو من نصيب رفاق جماهري الذين يكممون الأفواه ويخشون من الكلمة، ويهاجمون محاضرات من يختلف معهم. ويظهر أن التطرف الذي تحدث عنه الريسوني لازال موجودا اليوم، صحيح أنه لم يعد كما كان ذي قبل، لكن بذرته موجودة، وضحاياه لازالوا يسقطون.