في المدرسة الربانية التي كان يطلق عليها اسم المسيد الكتاب دار القرآن المحضرة… أسماء شتى لمدرسة واحدة ألا وهي مدرسة القرآن . لا يخفى على ذي عقل فضلَ القرآن وإكرامه لأهله رفعة وتوقيرا وإجلالا فضلا عن ذي علم وديانة ، وقد وصف الله هذا القرآن بصفات يسعى لها الإنسان سعي الظمئان للماء ، فوصفه في موضع بأنه نور فقال " يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا (174)" ووصفه في موضع بأنه روح فقال وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا ۚ مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَٰكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا ۚ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (52)" وجعله من أبرز أسباب السعادة فقال " فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ " والسائر إلى الله يحتاج لروح يحيا بها ، ونور يستبصر به ،ومصدر سعادة يظفر به ، وهذا كله موجود في كلام العزيز الحكيم . فأنت أخي الحبيب أختي الغالية الذي أفنيت عمرك في تحفيظ كتاب الله أنت الآن في مهمة ربانية ، توصل رسالة الله إلى خلقه ، فأنت الآن في أشرف خدمة وأجلها ألا وهي خدمة القرآن ، لهذا قال صلى الله عليه وسلم "خَيركُمْ من تعلم الْقُرْآن وَعلمه" فخدمة هذه الرسالة الخالدة نعمة وتشريف لك فارفع رأسك. لا تحسب أنك بتحفيظك القرآن ولزومك الكتَّاب تدنو وتسفل وتُحتقر ،كلا والله ، بل إنك في الكتَّاب تعلو وتشرف وترفع ، لأنك حامل رسالة الله إلى خلقه ، فاعرف قدر الرسالة ، وارعها حق رعايتها ، فبقدر تعظيمك لها بقدر رفعتها لك ، «إِنَّ اللهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الْكِتَابِ أَقْوَامًا وَيَضَعُ بِهِ آخَرِينَ». فأنت يا محفظ القرآن لبنة أساسية في المجتمعات الإسلامية ، وجودك عاملا مدافعا وداعيا قوة وتمكين ، وغيابك عملا ونشرا وتوعية خوَر وضغف ، فارفع رأسك عاليا وسل الله التوفيق. لا تغرنك الدنيا وزينتها وارض بما قسمه الله لك تكن أغنى الناس ، وإن حدثك شيطانك بالفقر فقل له إني عبد الغني الحميد "الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ ۖ وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (268) " فما دامت خادما لكلام الله لن يضيعك الله أبدا . ولا تلتفت للخطط الدخيلة التي تسعى لتحط من قيمة الحفَّاظ وإهانتهم ، واعلم أن الناس وإن أظهروا لك البغض فهم يقرون في دواخلهم أنك عزيز بكلام العزيز شريف بوحي العظيم ، فهم كقوم موسى عليه السلام فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ (13)وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ۚ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (14) فهم يقرون بخيريتك وشرفك لكن يزمُّون بأنوفهم كبرا وعلوا فلا تشغل نفسك ببني البشر فرضاهم كبرق الصيف بل قل أضغاث أحلام وما نحن بتاويل الأحلام بعالمين. فيا حامل القرآن ومعلمه والداعي إليه ارفع رأسك متواضعا ولا تذل نفسك واعرف قدرك واعتصم بربك وكن قرآنا يمشي على الأرض ، فالحافظ للشيء هو الحافظ لأماناته .. وفقنا الله وإياكم للخير والصلاح .. وصلى الله على سيدنا محمد.