إن إكرام المعلم, والإحسان إليه دليل على سمو النفس, وكرم الطبع, وإنما مثل المعلم مثل الطبيب يحتاج إلى إكرام ليتقن عمله, فالمعلم كالزارع الذي يبذر زرعاً ويتعهده بالماء لينمو ويحيى, إكرامه آية تدل على الفطنة والذكاء, قال الشاعر: إن المعلم والطبيب كلاهما … لا ينصحان إذا هما لم يكرما فاصبر لدائك إن أهنت طبيبه … واصبر لجهلك إن جفوت معلما فالمعلم خير الآباء لأن حياة الروح بالعلم كما أن حياة الجسد بالروح, فالعلم مادة الروح الإنساني, كما أن النطفة مادة الجسد والروح الحيواني, والروح الإنساني أفضل الأرواح, قال الشاعر: من علَّم الناس كان خير أبٍ … ذاك أبو الروح لا أبو النطف (1) وقد قيل للاسكندر: إنكَ تعظم معلمك أكثر من تعظيمك لأبيك, فقال: لأن أبي سبب حياتي الفانية, ومؤدبي ومعلمي سبب الحياة الباقية (2). وقد أشارت السنة النبوية إلى وجوب احترام من يعلم الناس الخير وأبانت حقه, من ذلك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لَيْسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ لَمْ يُجِلَّ كَبِيرَنَا وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيَعْرِفْ لِعَالِمِنَا حَقَّهُ) (3)، ويرحم الله شوقي حيث يقول: قُم لِلمُعَلِّمِ وَفِّهِ التَبجيلا … كادَ المُعَلِّمُ أَن يَكونَ رَسولا أَعَلِمتَ أَشرَفَ أَو أَجَلَّ مِنَ الَّذي … يَبني وَيُنشِئُ أَنفُساً وَعُقولا …………………………………………… (1) – أدب الدنيا والدين لأبي الحسن محمد حبيب الماوردي, ص77 , طبعة دار الكتب العلمية, بيروت, الطبعة الأولى1411ه , والموسوعة الشعرية ص124. (2) – محاضرات الأدباء ص14. (3) – انظر مسند الإمام الحافظ المحقق العلامة المحدث أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، (المتوفى سنة 241ه) , تحقيق شعيب الأرنؤوط وآخرون, حديث (22807) عن عبادة بن الصامت, الناشر: مؤسسة الرسالة بيروت, الطبعة الثانية 1420ه1999م.