يعتبر الإلحاد من الناحية الفكرية إنكارا لوجود الله، ويزعم منتسبوه أنه يمنحهم حرية مطلقة في التصرف بعيدا عن أي معايير غيبية من شأنها الحد من حرية الإنسان. ويمكن عزو انتشار الإلحاد لعدة أسباب أهمها إهمال الشباب وتركهم عرضة للشبهات التي تقصفهم بها وسائل الإعلام المختلفة، وبعض الممارسات الخاطئة من المتدينين والتي يتخذها الملاحدة شماعة يعلقون عليها إلحادهم، كما يلعب الدعم والإسناد الخارجي من طرف هيئات عابرة للقرات دورا مهما في انتشار الظاهرة. لكن من أهم الأسباب التي تؤدي إلى انتشار الإلحاد خاصة بين الشباب، وغالبا ما يتم التغافل عنها في نقاش هاته الظاهرة، هو غياب التغذية الروحية والقلبية مما يشكل ضعفا شديد في المناعة النفسية والقلبية عند الشباب بما يجعلهم عرضة لتلقف الشبهات الفكرية. إن الإلحاد هونتيجة حتمية للجهل وعدم امتلاك أدوات التحليل والتركيب، مع فقر في التغذية القلبية والروحية نتيجة البعد عن العبادة والتقرب من الله تعالى،لأن الإيمان يزيد بالطاعات والبحث وينقص بالتقصير والكسل، وهنا نفهم علة الربط الدائم في القرآن الكريم بين الإيمان والعمل الصالح. كما تلعب طبيعة مرحلة الشباب دورا مهما في تقبلهم للفكر الإلحادي، خصوصا في ظل ضعف المناعة الفكرية والروحية، فالشباب يعرفون برغباتهم الجامحة ونزعتهم المفرطة للتخلص من القيود، مما يجعلهم أكثر عرضة لتقبل الأفكار التي تشرع لهم الخوض في الشهوات بعيدا عن أي قيد أو شرط. وهناك علاقة جدلية بين نسبة الجهل والفقر الروحي ووقوع الإنسان في الشهوات الجسدية الفانية، وتفضيلها على الأمور العقلية والروحية،وهي أمور ترتبط كثيرا بمرحلة الشباب،وبالتالي البحث عن مصوغات تصورية لتبرير الغرق في الشهوات والتفلّت من القيود، لأن الجيل الذي تشوهت نظرته للحياة، يصعب عليه التخلص من الأهواء. إن الاباحية والرغبة المفرطة في اللذة كغاية عليا يكدح من أجلها الإنسان ترمي الإنسان المعاصر بالقاذورات على أنها جواهر نفيسة، ويفقد مع هذا السعي المحموم للشهوات إنسانيته وبوصلة التميز بين الصواب والخطأ، وبالتالي البحث عن مصوغات لهذا السعار الشهواني من خلال تبني الفكر الإلحادي، الذي لا يهتم ولا يحفل كثيرابمفاهيم الحلال والحرام. إن أي خطة منهاجية لمواجهة الفكر الإلحادي لا تأخذ بهذا الخط التربوي الهادف لبناء شخصية الشباب بشكل متكامل، لن تزيدنا إلا وقوعا في مستنقع الإلحاد، ولن تدفع بالشباب إلا إلى مزيد من السعي نحو الشهوات، وتبني رؤية عدمية للوجود. ما أحوجنا اليوم إلى برامج تعليمية وتربوية وإرشادية وإعلامية، تحمل على عاتقها النهوض بعقول الشباب وأرواحهم، وتمليكهم رسالة وجودية وأهداف مجتمعية سامية، وهوما يتطلب تضافر جميع الجهود لسد هذا الثغر الخطير الذي يدخل منه أعداء الإنسانية لعقول وأفئدة الشباب. كم نحتاج اليوم لبرامج تدريبية تنمي لدى الشباب الحس النقدي والتفكير المنطقي السليم، ولمواد مسموعة ومكتوبة ومصورة تبني لدى شبابنا رؤية وجودية سليمة، ولورشات تأهيلية ومشاريع مجتمعية تدمج الشباب في مجالات الحياة بدل الفراغ المهول الذي يسحقون فيه أعمارهم. إن الرهان في مواجهة المد الإلحادي على الجانب التصوري مهم جدا، لكنه للأسف الشديد لا يشكل إلا جزء بسيطا من خطة الحل. التي يمكن أن تساهم في الحد من هاته الظاهرة القديمة الجديدة.