هوية بريس – الثلاثاء 14 أكتوبر 2014 المعلم الثالث: تعظيم السنة وعدم احتقار شيء منها هذا المعلم من أبرز المعالم التي تميز المنهج السلفي عن بعض المناهج الدعوية الأخرى، فتعظيم السنة أصل أصيل من أصول هذا المنهج، وهو فرع عن تعظيم صاحبها عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم. والمقصود بالسنة هنا طريقة النبي صلى الله عليه وسلم في التدين عموما، وليس المقصود بها هنا ما يقابل الفرض، فهي بالمعنى الأول أعم وأشمل. ويكفي في الدلالة على عظم منزلة سنة نبينا أنه صلى الله عليه وسلم أوصانا بها وصية مُوَدِّع لأمته، مُشْفِقٍ عليها، شديدِ الحرص على ما ينفعها، كما في حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: «وَعَظَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْماً بَعْدَ صَلاَةِ الغَدَاةِ مَوْعِظَةً بَلِيغَةً، ذَرَفَتْ مِنْهَا العُيُونُ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا القُلُوبُ، فَقَالَ رَجُلٌ: إِنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ، فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَإِنْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى اخْتِلاَفاً كَثِيراً، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّهَا ضَلاَلَةٌ، فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ؛ فَعَلَيْهِ بِسُنَّتِي، وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ»(1). فأوصانا عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث بالاستماتة في التمسك بسنته، معبرا عن ذلك بالعض عليها بالنواجذ وهي أقصى الأضراس، فكأنه يقول لنا تمسكوا بها بسواعدكم، واستعينوا على التمسك بها بنواجذكم، خشية أن تتفلت منكم، ليدلنا بذلك على أنها حبل النجاة الذي ليس وراءه إلا الهلاك، وهذا ما صرح به صلى الله عليه وسلم في مطلع رواية أخرى لحديث العرباض بن سارية رضي الله عنه، فقال: «قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْبَيْضَاءِ، لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا، لَا يَزِيغُ عَنْهَا بَعْدِي إِلَّا هَالِكٌ»(2)، وليس الهلاك إلا الضلال كما يدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر: «إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ شَيْئَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُمَا: كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّتِي»(3)، ولله دَرُّ من قال: «السنة سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق». فالنجاةَ النجاةَ يا أمة الإسلام، ويا أيها المتخلف عن سفينة السنة: اركب مع أهل السنة ولا تكن من الهالكين. وفي مقابل هذا الحَض على التمسك بالسنة نجد النبي صلى الله عليه وسلم يتبرأ ممن رغب عنها، وزهد فيها، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي»(4). ولا يزهد في سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم إلا من لم يقدُره قَدْرَه، ولا يرغب عنها إلا من سفه نفسه. فلا تحقرن أخي شيئا من سنة نبيك مهما دقَّ في عينك، فإن ذلك سبيل الذين لا يعلمون، وأما أهل العلم حقا فإنهم لا يحقرون من المعروف شيئا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا، وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ»(5). واعلم أخي أن النار تُتَّقى بشق تمرة، فكيف لا تتقى بسنة، وإن أحدنا لا يدري بأي عمله يزحزح عن النار ويدخل الجنة: {فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ} (آل عمران:185). والمقصود هو بيان أن تعظيم سنة النبي صلى الله عليه وسلم من معالم المنهج السلفي خلافا لبعض المناهج التي تحتقر سنن المصطفى صلى الله عليه وسلم، كسنة اللحية والسواك والتقصير… ومن هؤلاء من يتجرأ فينعت السنن بالقشور والجزئيات، قاصدين بذلك التقليل من شأنها، وما شعروا أنهم بذلك ينالون من صاحبها عليه الصلاة والسلام، فهل هم منتهون؟! (1)- أخرجه الترمذي (2676) وغيره، وقال: هذا حديث حسن صحيح. (2)– عند أحمد (17142) وابن ماجه (43)، وصححه الألباني. (3)– أخرجه الحاكم في المستدرك (319)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (2937). (4)– متفق عليه. (5)– رواه مسلم (2626).