الخميس 09 أكتوبر 2014 بعد الضجة التي أراد أن يثيرها كل من الدكتور عيد يوسف أمين عام الفتوى بالجامع الأزهر، ومحمد الشحات الجندي عضو مجمع البحوث الإسلامية، والدكتورة إلهام شاهين، أستاذة العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، في شأن احتفال المغرب يوم الأحد الماضي بأول أيام عيد الأضحى وقول أحد هؤلاء بعدم جواز ذلك الاحتفال شرعاً، واعتبر الثاني ذلك مخالفة للدول الإسلامية كلها بل وليس له أي سند شرعي، فيما نعتت الثالثة ذلك بالجهل بتعاليم الدين من شأنه أن يخلق نوعاً من الانشقاق بين مسلمي العالم. في خضم هذا الجدل توصل موقع (ma.Pjd) برد قوي من قلب سوس العالمة ومن إحدى قلاع العلم بسوس في شخص الأستاذ سعيد ايت خالي علي مدير المدرسة العلمية العتيقة بسيدي أحمد أعمر بقبيلة هوارة (حاصل على دبلوم الدراسات العليا في الشريعة الإسلامية ومتخصص في علم التوقيت)، وقد ساق الأستاذ أدلة قوية من كتاب الله تعالى ومن سنة الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام ومن الفقه المالكي للرد على هؤلاء الأزهريين الذين أبطلوا من خلال فتواهم شرعية احتفال المغرب بأول أيام عيد الأضحى المبارك وفي ما يلي نص الرد لتعميم الفائدة: بسم الله الرحمان الرحيم وصلى الله على محمد عبده ورسوله بما يثبت دخول الشهر في الشريعة الإسلامية، بالرؤية البصرية المجردة؟ أم بميلاد الهلال أم بحساب العلامة؟ قال تعالى: "يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج"، وقال صلى الله عليه والسلام: "إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا"، وقال صلى الله عله وسلم: "لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه"، وقال أيضا: "لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين". الأحاديث كلها صحيحة أخرجها البخاري ومسلم. السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح: مادام أن هذه الأحاديث تتحدث عن الرؤية، ما هي الرؤية المعتبرة شرعا؟. ذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب بن عبد الرازق رحمه الله أن الرؤية المعتبرة شرعا في تحديد بدء الصوم وانتهائه هي الرؤية البصرية الواقعة عشية بعد اجتماع القمر بالشمس وخروجه من شعاعها وبالكتاب والسنة والاجماع؛ فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد تحدث في هذه الأحاديث الصحيحة عن ثبوت شهر رمضان فبهذه الوسائل تثبت جميع الشهور، فالشهر يبدأ برؤية الهلال وينتهي برؤيته أو بإكمال الشهر ثلاثين يوما. ويستفاد من قوله تعالى: "يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج"، ومعلوم أن المواقيت تتعلق بالصيام والحج والزكاة والعدة وقضاء الديون وغير ذلك من الأمور المعلومة.. وفائدة تخصيص الحج في الآية مع دخوله في عموم اللفظ الأول هو أن العرب كانت تحج بالعدد وتبدل الشهور فأبطل الله فعلهم وقولهم وجعله مقرونا بالرؤية، وهكذا جميع الشهور. والرؤية المقصودة هي الرؤية البصرية المجردة لا دخل للحساب فيها، هذه هي الوسيلة الأولى عند الجميع لا ينازع فيها منازع. الوسيلة الثانية: إكمال العدة ثلاثين لقوله صلى الله عليه وسلم: "فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما". فالمسلم يدخل في العبادة بيقين ويخرج منها بيقين، فالرؤية البصرية المجردة يقين والاكمال أيضا يقين. أجمعت الأمة على أن الرؤية المعتبرة شرعا هي الرؤية البصرية أو الإكمال واختلفوا في التقدير لقوله صلى الله عليه وسلم: "فاقدروا له" والغالب يرى أن التقدير هو الإتمام. هاتان الوسيلتان هما اللتان تعبد الله بهما عباده في الصوم والحج والزكاة والمواقيت والعدد وغيرها… أما ميلاد الهلال وحساب العلامة، فهما وسيلتان للخواص وديننا جاء للعموم لا حرج فيه ولا مشقة وقد قال صلى الله عليه وسلم: "نحن أمة امية لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا وهكذا وهكذا وهكذا وهكذا. وضم أصبعه صلى الله عليه وسلم" فدل ذلك على أن الشهر اما تسعة وعشرون، واما ثلاثون. والملاحظ أن المشارقة يعتمدون في تقاويمهم على ميلاد الشهر وهو الشاذ من أقوال الفقهاء وبعضهم يعتمد على شهادة الواحد وهذا هو الأساس في اختلاف المسلمين، وقد أكد علماء الهيئة والرصد الفلكي أن الرؤية تكون ممتنعة بالعين المجردة وحتى بالآلات الفلكية ويفاجؤون بمن يزعم أن الرؤية ثابتة عندهم ثبوتا شرعيا وهذا يتنافى مع العلم ويتنافى مع الرصد، لذا حدد علماؤنا مجموعة من الأقواس والقواعد لرد شهداء الزور وهذه القواعد منها: قوس المكث وهو مقدار مكث الهلال في الأفق بعد غروب الشمس، وكذلك قوس النور وقوس الرؤية إلى غير ذلك من القواعد الأساسية، فمثلا: شهر ذي الحجة الحرام 1435 (شهرنا هذا)، فنتائج الرؤية لم تتوفر حتى يرى الهلال عشية الأربعاء 29 ذي القعدة 1435، والخرائط العلمية تبين أن فاتح ذي الحجة الحرام بالرؤية البصرية المجردة هو يوم الجمعة وليس يوم الخميس ومن زعم أنه رأى الهلال بالبصر عشية الأربعاء فهو شاهد زور، لأن مكث الهلال لم يتجاوز خمس دقائق في بلدان الشرق الإسلامي والمعتمد عند هؤلاء هو ميلاد الهلال وليست الرؤية البصرية الشرعية والله تبارك وتعالى لم يتعبدنا برؤية الهلال لأنها وسيلة الخواص ولم تكن في متناول الجميع، أما الرؤية البصرية فهي للخاص والعام ولسائر المسلمين. واشترط العلماء لرؤية الهلال بالبصر أن يمكث وراء الشمس تمان وعشرين دقيقة على الأقل. ويجب أن يمضي على ساعة الاجتماع وهو ما يسمى بالاقتران على الأقل 18 ساعة وما نراه ونسمعه هو مخالف للقواعد العلمية الثابتة عند الأوائل والأواخر. والمغرب ولله الحمد لا يتهاون في مثل هذه الأمور الشرعية التي تتعلق بأمور الدين، وقد كلفت الدولة المغربية أربع جهات من الوزارات للتأكد من مراقبة الهلال والتثبت من رؤيته، منها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ومنها وزارة الداخلية ومنها وزارة العدل ومنها وزارة الدفاع، كل هذه الهيئات تخرج إلى الآفاق عشية التاسع والعشرين من كل شهر لمراقبة الهلال وترفع تقارير إلى الجهات المسؤولة لتفيد تبوث الشهر لديها أو عدم الثبوت. ورجوعا إلى ما نشرته وسائل إعلام حول فتاوى تبطل احتفال المغاربة بعيد الأضحى، فهي فتوى لا تستند إلى أسس شرعية ولا إلى مبادئ أخلاقية لأنها خوض في الباطل وجدال بدون علم بجميع المقاييس. فالإجماع المعتبر هو ما وافق الشرع، أما المجمعون على مخالفة الشرع، فمخالفتهم لا يعتبر خرقا للإجماع وقد خالف الامام أحمد رحمه الله معاصريه وثبت على الحق حتى لقي الله. والعلم يؤكد أن المغاربة منذ أمد بعيد لا يضاهون في مراقبة الأهلة وهم صادقون في اثباتها أو نفيها، واكدت التجربة أيضا بالرصد الفلكي أن بعض المشارقة يزعمون رؤية الهلال في الوقت الذي لم يكن له أثر في السماء أو تكون رؤيته ممتنعة والمسلم يتبع الشرع ولا يكون إمعة، فكم من شهور أكملت الثلاثين في الشرق ولا هلال في السماء وهذا أكبر دليل على أن الخطأ في أول الشهر، إذ لا يمكن للهلال أن يختفي يوم الثلاثيين مع الصحو، قال الشيخ خليل رحمه الله: "إذا لم ير الهلال يوم الثلاثين كٌذبا (يقصد الشاهدين)". والمهندس الفلكي محمد شوكت عودة وهو رئيس المشروع الإسلامي لرصد الأهلة وله كتابات قيمة في هذا المجال، يوصي بالاقتداء بالمغرب وسلطنة عمان وباكستان في مراقبة الأهلة. والمغرب ولله الحمد له أزيد من 220 موقع لرصد الأهلة. والبلاغ الذي ينبغي أن يفهمه المسلمون هو قاعدة: إذا رئي الهلال في المشارق فيلزم رؤيته في المغارب ولا عكس، بمعنى إذا رئي الهلال في أية دولة شرق المغرب، يسبق غروبها غروب المغرب فيلزم رؤية الهلال في المغرب أكيد ومؤكد، وقد يرى الهلال في المغرب ولا يرى في المشرق. وهذه قاعدة قد أشار إليها الامام ابن تيمية والإمام القرافي وابن دقيق العيد وابن عبد البر والعلماء المعاصرون وهي قاعدة مضطردة ومتى لم ير الهلال في الغرب مع الصحو فرؤية الشرق زور. ومن العجب العجاب أن يدعي مدع رؤية الهلال في الشرق رؤية شرعية ويكون الفرق بين غروب الشرق وغروب الغرب أربع ساعات ولا هلال، إذن فأين ذهب هذا الهلال؟ وهو يتأخر عن الشمس بدرجة في كل ساعتين، فإذا كانت الرؤية عسيرة في الشرق الإسلامي فهي راجحة في الغرب الإسلامي كما هو معلوم. ففي مدينة وجدة في المغرب مثلا يسبق غروب الشمس فيها فإذا رئي الهلال في هذه المدينة فتعم الرؤية جميع أقاليم المغرب وقد يرى في أكادير ولا يرى في وجدة لتأخر غروب الشمس في أكادير عن وجدة، وقد يرى في الداخلة ولا يرى في أكادير نظر لتأخر الغروب في الداخلة المغربية وهذا معلوم بالضرورة، لأن كلما تأخر الغروب كلما ازداد القمر في بعده عن الشمس وكبر مكثه وازداد نوره، أما ما يعتقده البعض أن المشارقة يمكن لهم أن يسبقوا المغاربة بيوم هو غير صحيح وهذا السبق غير مبني على الرؤية البصرية وإنما أساسه ميلاد الهلال وهو مخالف كما سبق. وتجدر الإشارة إلى أن الذي يسبب الانشقاق بين المسلمين هم الذين يشهدون الزور ترى أعينهم مالا يراه العلم ولا الرصد ولا الأقمار الصناعية المبثوثة في الفضاء، أما صيام التاسع من ذي الحجة فهو مندوب وقد تبث في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم يصوم يوم تاسع ذي الحجة بغض النظر عن الوقوف بعرفة ولو انتظر العجلة تبوث الرؤية الشرعية البصرية لصام المسلمون في يوم واحد ولا أصبحت أعيادهم أعيادا واحدة ولا حجة لمن يبطل للصائمين صيام التاسع، قال الشيخ ابن العثيمين رحمه الله: إذا اختلفت المطالع فلكل بلد تاسعه"، أما فقهاء المذهب المالكي فلا خلاف بينهم في ذلك لأنه إذا تباعدت البلدان فلكل بلد رؤيته، ودعوى صيام يوم عرفة عند المغاربة باطل لأنه صادف يوم العيد بحجة "نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الفطر والنحر"! فهي دعوى باطلة لسببين اثنين: السبب الأول: المغاربة يصومون يوم التاسع للحديث الوارد في ذلك. والسبب الثاني: أنه يصادف عيد النحر والنبي نهى عن صوم يوم النحر فلا حجة فيه أيضا لأن لكل بلد رؤيته ولاختلاف المطالع، وهذا الإسقاط فاسد والقياس باطل، لأنه لو كان هذا صحيحا لحرم على البلدان إتمام شهر رمضان متى أفطرت فيه إحدى الدول. والخلاصة بلاغ لكل المسلمين: يجب اعتماد الرؤية البصرية الصحيحة دون اعتماد ميلاد الهلال لأنه السبب في اختلاف المسلمين وليس السبب اختلاف المطالع. فالمسلمون يشتركون في الليل لذلك، فمتى رئي الهلال في الشرق الإسلامي رئي في الغرب ولا عكس. وهذا الاختلاف سببه اعتماد ميلاد الهلال وهو في الحقيقة سبب رئيسي في اختلاف المسلمين في أعيادهم وفي بدء صيامهم وإفطارهم؛ والحمد لله ربّ العالمين.