"الأسد الذي يقلد أسداً يصبح قرداً".. مقولة فلسفية للكاتب الفرنسي العظيم فيكتور هوغو، الذي يلتقي مع أونوريه دي بلزاك في الروايات الشهيرة "الكوميديا الإنسانية".. ولو قُدر للكاتبين معا أن يكونا حييْن الآن، وأن يعاصرا الإخوة أبوبكر وعثمان وعمر وخالد زعيتر، لانطبقت عليهم المقولة المذكورة إلى حد كبير. ويقدم الإخوة زعيتر صورة استثنائية لما يمكن تسميتها "صباغة المجتمع" أو "المجتمع المصبوغ"، ما يفضي إلى اضطراب علاقة الشخص بالواقع، بسبب الرسوم الكاريكاتورية التي يتفننون في صناعتها. وبعد أن أظهروا براعتهم في فن السرد، بات مقاتلو الفنون القتالية المختلطة، الذين يقال إنهم قريبون من الملك محمد السادس منذ استقبالهم في أبريل 2018، متميزين أيضا في إتقان الدعاية، بحيث لا يتعلق الأمر فقط بمسألة الظهور، لأنها لا تكفي لإشباع طموحاتهم، بل يريدون أن نعجب بهم ونغبطهم. إن الصورة التي يتعمد الإخوة زعيتر تقديمها أمام المغاربة تروم تحقيق هدف معين، هو إظهار أنهم يعيشون في "مركز السلطة"، وبالتالي لا يمكن منعهم من أي شيء. وفي مجتمع يعلو المظهر على ما دونه، يقترح الإخوة قصة مادية غارقة في البراغماتية، بشكل يدوس على القيم وعلى كل ما هو منطقي في نظر المغاربة، عندما يتعلق الأمر بالملكية ورموزها. وهكذا أضحت الصفات والرموز التي تشكل المغرب وملكيته العريقة موضوع استغلال وتشويه أصبح مرادفاً للكاريكاتور، الذي يتحدث عنه الجميع على انفراد ولا أحد يجرؤ على التنديد به علناً، وذلك ابتداء من شعار العرش إلى الصورة الرسمية للملك. لا، هذا ليس فيلما خياليا سينمائيا يقود فيه الأبطال سيارات بطريقة جنونية، مثل فيلم "سريع وغاضب" "Fast And Furious". في قصة عائلة زعيتر نحن في واقع يتجاوز خيال كتاب السيناريو في هوليوود الأكثر إبداعاً، إنه واقع قوي إلى درجة أنه يشكك في عدم تدخل السلطات المسؤولة عن حماية الملكية، وأولئك الذين يوصفون بأنهم "حراس المعبد" الذين يتواجدون في جميع هياكل المخزن. وعلى رأس قائمة هؤلاء، هناك المستشارون المقربون والأجهزة الأمنية الذين يشكل جمودهم مصدر تساؤلات بالنظر إلى حجم الحزم الذين يظهرونه في مواضيع معينة، وتساهلهم أمام تجاوزات الإخوة؛ هذا المعيار المزدوج سيحاسبون عليه يوماً ما، ولن تفلت منها أيضاً البنية الضخمة لوزارة الداخلية. في السابق كان أدنى خدش للرموز الملكية المغربية يبث الرعب في رجال عبد الوفي لفتيت، وكانوا سيتصرفون في الحين لتصحيح الوضع دون تردد. ومع ذلك، في صالة الألعاب الرياضية التي يتدرب فيها الإخوة زعيتر في الرباط، تم وضع صورة الملك محمد السادس وعلى يمينه أبو بكر زعيتر (بدلاً من الراحل الحسن الثاني)، وعلى يساره عثمان زعيتر (بدلاً من ولي العهد مولاي الحسن). ويتم تصوير الإخوة في هذه القاعة بشكل مستمر، وتلك الصور في الخلفية كما لو كانوا يدعون القرب نفسه، وهو ما يمس بأعمق معتقدات وقناعات المغاربة. ما يثير في هذا الأمر ليس الاستغلال الذي يقوم به الإخوة زعيتر لصورة الملك، بل تقاعس السلطات في مواجهة هذا الاستغلال لشخصية الملك. هل أصبح الإخوة زعيتر من العائلة الملكية؟ هل كان عثمان زعيتر سيحل محل الأمير مولاي الحسن؟ هل يعتبر أخوه الأكبر أبو بكر نفسه ملكاً؟ في بلد حيث الرموز لها مكانتها وحيث الكلمة الرسمية حول هذه المواضيع منعدمة، لا يمكن لأحد أن يمنع الرأي العام من التشكيك وتتبع أدنى علامة من شأنها أن تثير هذه التساؤلات. من المنطقي أن يتساءل المرء عن رد فعل العامل أو القائد إذا تبادر إلى ذهن صاحب صالة ألعاب رياضية أو "سوبر ماركت" أو حانة "شيشة"، أن يضع صورته أو صورة أطفاله إلى جانب صورة الملك في مدخل مكان اشتغاله. من حيث المبدأ ما الذي يمكن أن يخشاه المرء ما دام الإخوة زعيتر فعلوا ذلك؟ لا شيء، إلا إذا كان ذلك ممكناً بالنسبة للبعض وغير ممكن لجميع مواطني هذا البلد. الاستفادة من صورة الملك محمد السادس لا شك أن قوة الملكية تُستمد من المكانة التي تحتلها الشخصية الملكية في الفضاء العام، ومن خلال الرمزية المصاحبة التي تحظى باحترام كبير. ولهذا فإنه بدءا من البنايات الرسمية، مروراً بالمتاجر بمختلف أصنافها، ووصولا إلى الفنادق الكبيرة، يصعب إخفاء صورة الملك، فهي صورة رمزية تتجاوز شخصه المادي، وهي تجسيد للسلطة التي يمثلها، ومن خلالها تصبح الملكية ضمانة لاستقرار واستمرارية وأمن المجتمع المغربي. إنها، أي صورة الملك، تعد عنصرا هيكليا يتجاوز البنايات والشارع والحي والدوار، حيث يتم تعليق الصورة الرسمية للملك، إنها منارة لأنها تنظم الفضاءات وتفرض ترتيباً لم يجرؤ حتى الأكثر معارضة للنظام على زحزحته. نرى، نفكر ونتحدث عن زعيتر لا، نحن لسنا في إنتاج سينمائي هوليودي، لكن هذا الخيال الذي صنعه الإخوان زعيتر يمكن تسميته كفيلم "Unstoppable" يتعاطى باستمرار "الأحلام" و"القصص"، حيث المؤسسة الملكية ورموزها ليست بعيدة أبداً. إنهم لا يكفون عن إنتاج المزيد من مقاطع الفيديو والصور، إلى درجة أن المتابعين يتوهون في دوامة من الصور، ويفاجؤون بالتجول في شوارع من الذهب والفضة، مثل سيناريو فيلم تندفع فيه السيارات الفاخرة باستمرار مع خلفية صوتية لآيات قرآنية. وتتوالى المشاهد على سبيل المثال مع المتسولين الذين تُقدم لهم المساعدات الخيرية وهم يرتدون ملابس فاخرة، مثل "كريستيان دور"، أو افتتاح مطعم للوجبات السريعة بحراس شخصيين لأبو بكر. أما عثمان فيظهر نفسه في جلسات إطلاق نار بمسدس على الأراضي الأمريكية، وتارة أمام ضريح محمد الخامس، قرب سيارته المتوقفة بجوار المقبرة الملكية، وهو ما لم يجرؤ أحد على فعله. ومؤخراً، شاهد مستخدمو الأنترنيت الأخ الأكبر خالد بصدر عار تحت أشعة الشمس الغابونية، حيث يعطي دروساً في الدين لمن يريد سماعها. ظهور مبالغ فيه يقوم كل واحد من الإخوة بربط ما ينشره على إنستغرام، بشكل مباشر أو عن طريق الاقتراح، بالمؤسسة الملكية؛ وهذه تعد تجاوزات يتناوبون على اقترافها دون توقف عن طريق سلسلة من الصور والتصريحات التي لم تكن لتزعج أحداً لو لم تكن المؤسسة الملكية والملك نفسه مرتبطين بهذه القصة التي يصوغها الإخوة زعيتر، الذين يريدون أن يُعرفوا أنفسهم فقط من خلال علاقتهم بالقصر. الحقيقة أننا كمواطنين مغاربة أصبحنا نتفرج على هذه الهجمات على رموز الملكية التي تنظمها تقاليد مقدسة وثابتة لأكثر من 14 قرنا. نحن قلقون بشأن ما ستسفر عنه "لعبة الإخوة". عضلات ومظلات قوية تقودنا أحداث هذه القصة إلى الشك، ومثل فرويد أو نيتشه، نحاول قدر المستطاع تفكيكها لفهم "إرادة القوة" التي تدفع الإخوة لتبين الحقيقة من الأكاذيب، وقبل كل شيء عدم الخضوع للتلاعب. قلة من الناس تجرؤ أمام هذا الاستعراض اليومي للرفاهية والعضلات والمظلات القوية على توجيه أقل انتقاد لهؤلاء الأشخاص؛ إن امتيازاتهم وتجاوزاتهم وانتهاكاتهم للقانون يمكن أن تنقلها وسائل الإعلام لاتخاذ الإجراءات القانونية والتدابير الإدارية إذا لزم الأمر. توزيع المواد الغذائية قبل مؤسسة محمد الخامس في الرابع من أبريل الماضي صدرت تعليمات لوزير الداخلية بعدم السماح بتوزيع مساعدات أو مواد غذائية بمناسبة شهر رمضان قبل أن يعطي الملك انطلاقة حملة توزيع الدعم للفئات الاجتماعية الأكثر هشاشة، لكن الإخوة زعيتر تفاخروا في شبكات التواصل الاجتماعي الخاصة بهم بتوزيع قفف المساعدات قبل إطلاق الملك محمد السادس عملية "رمضان 1443" في 5 أبريل 2022 بمناسبة شهر رمضان. ففي فاتح أبريل، قام أبو بكر بتوزيع القفف بعين عودة أمام طابور من النساء والأطفال ينتظرون وصول مقاتل الفنون القتالية المختلطة الذي تحول إلى رجل أعمال، يقدم نفسه كقدوة يتحدث عن الطريق التي يجب أن تتم بها الصدقات؛ وهكذا.. تارة يصبح إماماً ثم اقتصادياً وعالم اجتماع، ثم فيلسوفا وخبيرا في موضوع الفقر. وأمام التساؤلات التي تطرح حول طريقة عيشهم والامتيازات التي يتمتعون بها، يلجأ الإخوة إلى التظاهر كنخب شرعية تدعي أنها "اليد العليا"، وبالتالي يعطون انطباعا بأنهم طيبون. هل أصبحت جمعية الإخوة زعيتر أهم من مؤسسة الخامس للتضامن؟ كيف يمكن لهذا التنظيم الجمعوي أن يفلت من تعليمات ويقظة وزير الداخلية؟ هل يعلم عبد الوافي لفتيت أن سلطته ومصداقيته مسها الضعف بسبب هذه الأمور؟. في انتظار الإجابة عن هذه الأسئلة، أصبح الإخوة زعيتر أكثر حضوراً من الملك نفسه على مواقع التواصل الاجتماعي، إلى درجة باتوا يظهرون وكأنهم الفاعلون الرئيسيون في المغرب؛ وهذا للأسف لأسباب مقلقة. إنهم لا يقومون فقط بتقليد أو استلهام النموذج الملكي، إنهم ينسخونه ويشوهونه ويسرقونه.. إنهم يزيفون بشكل غير مسبوق الرموز التي قامت عليها أقدم الملكيات في العالم. شعارات ملكية مشوهة يعود اعتماد شعار العرش الملكي إلى 14 غشت من سنة 1957، أي قبل اليوم الذي أصبح فيه السلطان سيدي محمد بن يوسف بشكل رسمي أول ملك للمغرب تحت اسم محمد الخامس. ويتميز هذا الشعار بوجود أسدين يحملان الدرع الملكي، يرمزان لحماية الدولة والنضال من أجل الاستقلال، فضلاً عن إرادة ثابتة للدفاع ضد الأعداء، إلى جانب الآية 7 من سورة محمد: "إن تنصروا الله ينصركم". لكن.. مع الإخوة زعيتر أصبح هذا الشعار "علامة تجارية" مثل تلك الخاصة بماركات الأزياء الكبرى أو مصنعي السيارات الكبرى التي يحبونها. لقد وصلت الوقاحة بهم إلى طبع الشعار الملكي على صنادل بلاستيكية يرتديها أبو بكر، وعلى قفازات الملاكمة والبدلة الرياضية الخاصة بعثمان؛ دون أن يتحرك أي شخص. لقد أصبح رمز العرش موضوع تقليد بشع ولا يبدو أن هذا يصدم حراس المعبد. ما نشهده هو تغيير للحقيقة وتحريف يطال شعار الملكية في المغرب على الرغم من أن له طابعا وطنيا لا يمكن انتهاكه مثل العملة على سبيل المثال. إنهم يقوضون مثل المزورين ثقة العموم من خلال عرض هذا الشعار على ملابسهم كما لو كان شعاراً عادياً، ولا أحد مرة أخرى يرى في ذلك أي خطأ. الشعار يتحول إلى دونات عملاق أصبحت صورة العرش كما يستغلها الإخوة زعيتر تثير تساؤلات كثيرة؛ فمنذ العصور القديمة كان العرش رمزاً للملوك ومرتبطاً بممارسة السلطة الملكية/ كما يرمز للمجد وبطريقة ما يهدف إلى وضع الملك فوق الناس. هذا يصدق بشكل كبير على الملك محمد السادس، أمير المؤمنين وسليل نبي الإسلام، لذلك فهو رمز للقوة المجيدة وشاهد على مكانة متفوقة يتخذها الملك. هذه المكانة ترمز للسلطات السياسية الثلاثة: التشريعية والتنفيذية والقضائية الموحدة بشكل وثيق عبر شخص الملك، لأنه على العرش يسن القوانين ويضمن تنفيذها ويقيم العدل. في السابع والعشرين من مارس المنصرم، افتتح الإخوة زعيتر مطعماً للوجبات السريعة باسم "رويال دوناتس" في مارينا سلا بعد أن أطلقوا "روايال برجر" قبل أيام قليلة. في مدخل المطعم يلفت الأنظار مقعد ضخم ووراءه يظهر التاج فوق حرف O. من الصعب ألا نرى شيئاً مستوحى من العائلة الملكية في كل هذا. الصور كافية للغاية وبإمكان تمرين بسيط في علم السيميولوجيا أن يخبرنا عن القصة التي يريد هؤلاء الجانحون ترويجها. تواصل زائف مع رسائل خاصة كل الإشارات التي يصدرونها هي "نكات خاصة" أو رسائل لا يمكن فهمها إلا من قبل أطراف معينة. وللفهم أكثر.. من خلال الرسم الكاريكاتوري للمقعد الملكي بهذه الطريقة، فإن الرسالة المتصورة هي أنهم يستطيعون القيام بأي شيء بما في ذلك الاستعارة التي لا تطاق لعرش يمكن أن يؤكل أو للسلطة التي يرمز إليها والتي يمكن عضها. ويعتمد استخدام التاج أو كلمة "روايال" (ملكي) على نفس المنطق: "يمكن القيام بذلك، نحن فوق البشر العاديين نفعل ما نريد" بغض النظر عن العواقب. وعندما يتناوب الإخوة زعيتر على وضعياتهم المعتادة أمام ضريح محمد الخامس، فهل هذا يعني أنهم يقدمون تكريماً بسيطاً للملوك والأمراء الذين دفنوا هناك أم الأمر يعني نوعاً من "التظاهر"؟. إلى من يتوجه الإخوة زعيتر؟ ماذا يقولون؟ هل هم أكثر ملكية من الملك نفسه؟ في مغرب "آل زعيتر" إذا لم تُخف أحداً فأنت لا تهم أحداً. عندما يروج عثمان أو أبو بكر بانتظام للأسلحة الخاصة بهما على مواقع التواصل الاجتماعي فإنهما يوجهان تحذيرات لمن يجرؤ على التصدي لهما. عندما يعرف أبو بكر نفسه لسائق سيارة عادي بالقول: "ناس ديال الملك"، كما ورد في الصحافة مؤخراً.. فهو يتحدث كما لو أنه ممثل للقصر، وهو أمر يجانب الصواب، بل يشوه الحقيقة. إن محاولة تجاهل معنى أفعال الإخوة زعيتر قوية للغاية بحجة أن خدعهم مبنية على حيل ثقيلة سيتعين عليهم التخلي عنها يوماً ما قبل أن يصبحوا غير قادرين على الحصول على سيطرة إضافية. لكن الضرر أصبح محرجاً وحساساً ويصعب على الصحافة الوطنية التصرف وكأنها غير موجودة. الحقيقة أن الإخوة زعيتر يساهمون في التقليل من شأن رموز النظام الملكي، وبالتالي جعل "الأسطورة" أقل قوة وأقل حضوراً وأقل تجذراً في الواقع. من هنا يمكن الاستنتاج أن السلطة الملكية أصبحت ضعيفة، وهناك خطوة واحدة فقط لن يجد منتقدو النظام صعوبة في اتخاذها لإلغاء مركزية شخصية الملك.