أبوزيد: العرق الأمازيغي بخيل والفن المعاصر "زبالة" لا شك أن الضمور الفكري والخلقي لكثير من "النخب" السياسية والفكرية في المغرب أمسى، للأسف، ومنذ زمن طويل عاهة مزمنة وقدرا لا مناص منه جعل الأمر من قبيل البديهيات التي يشكل الخوض فيها تكرارا مملا واجترارا عقيما. غير أن بعض الأوجه تأبى، مع ذالك، إلا أن تفاجئنا كل مرة بمواقف وتصريحات تفضح مستويات جديدة من التردي والإسفاف لا يسع أي ديمقراطي وأي مواطن مسؤول إلا أن يقف عندها. من قبيل ذلك ما صرح به مؤخرا المقرئ الإدريسي أبوزيد القيادي البارز في حزب "العدالة والتنمية" وممثل الأمة، وأحد أهم عناصر إنتلجنسيا حركة "التوحيد والإصلاح" ومنظري الإسلام السياسي بالمغرب. فانطلاقا من مضمون العرض الرجعي والعنصري الذي قدمه أبوزيد الإدريسي في حضرة بعض إخوانه السعوديين، والذي نشره على صفحاته بالانترنت وعلى موقع الحزب وتناقلته الجرائد الالكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، والذي يحمل كل الإساءة إلى عموم بلاده، وللمواطنين والمواطنات المغاربة الأمازيغ السوسيين بشكل خاص، وانطلاقا من الصفة السياسية البرلمانية والتمثيلية والدعوية والجماعية التي تربطه بحزب "العدالة والتنمية" وبالحركة الإسلامية في المغرب، وبما أن الفرصة مواتية للنقاش العميق وكشف حقيقة مثل هذه السلوكات والمواقف، فالمطلوب اليوم أن نطرح بعض الأسئلة والقضايا التي يثيرها هذا الحادث الذي وإن كان طارئا فهو يكشف عن المستوى الفكري والثقافي، وعن حقيقة وذهنية وسلوك وقيم بعض من نخبة وسياسيي وبرلمانيي المغرب وحزب "البيجيدي" بشكل خاص. السؤال الأول: كراهية المقرئ الإدريسي لكل ما هو أمازيغي وحداثي غير جديدة، وهو لا ينفك يعبر عنها منذ سنوات عديدة كلما سنحت له الفرصة وبكثير من التشنج والعنف وبكيفية تشي بانحراف نفسي عميق لم يستطع الرجل تجاوزه، وإلا فكيف نفسر تنقله في عرضه الردئ من وصم ملايين المغاربة بالبخل، إلى الحديث عن الشذوذ الجنسي وعمليات تبديل الجنس، ثم وصف الفن التشكيلي الحديث ب"الزبالة" وذلك وهو منبهر أمام جمهور فقهي من الأجانب وفي ظرف دقيقتين أو بالكاد! لاشك بأننا أمام حالة تداعي باتولوجية لا غبار عليها. يكفي البدء في الاستماع إلى النائب البرلماني المغربي وهو يقول" عندنا في المغرب تجار معروفون بنوع من البخل وهم من عرق معين...، كذا!"، للتأكد أن مضمون عرض أبوزيد يحمل كل مواصفات الحقد والعنصرية المقيتة والمشحونة بالكراهية والسخرية، والتي وصلت به حد التنكر لبلاده والسخرية الرخيصة من مواطنيه إرضاء وتملقا لجمهور من الأجانب وفي بلاد أجنبية. كما يحمل كل مواصفات ودلائل الجهل الثقافي والفني لدي النائب البرلماني وسياسي "البيجيديي" الذي أراد أن يخوض في قضايا الفن الحديث معتبرا "الفن الحديث زبالة" فكشف عن المستوى الثقافي المتدني والفظيع لجزء من النخبة السياسية و"ممثلي الأمة" بالمغرب، وعن عباءة المتزمت والجاهل بتحولات العالم والثقافات من حوله. لقد كان بوسع صاحبنا أن يضرب ما شاء من أمثال عن البخل دون ربطها بعنصر أو عرق معين، كما كان حريا به أن يعلم أن الخصال السيئة كالشح نقيصة إنسانية لا يختص به جنس دون آخر، وله في كتب البخلاء ونوادرهم في متون التراث العربي الإسلامي، والتي لاشك أنه على اطلاع به بحكم تكوينه السلفي التقليداني، خير معين يغنيه عما سواه. أما إسقاط خلق سلبي على ملايين من المغاربة وربطه ب"عرق معين" على وجه التعميم فتلك عنصرية صارخة وعنف معنوي غير مبرر وتهجم مجاني على قطاع هام من الشعب المغربي. وهنا يتوجب علينا التوقف والتساؤل عن رأي رفاق أبوزيد من "إشلحيين" في الحزب وما أكثرهم في هذه التصريحات؟ وكما لو أن ذلك لم يكن كافيا قام المحاضر بالتعريج على موضوع الشذوذ الجنسي، الثيمة الكلاسيكية لدى وعاظ الإسلام السياسي، ليخلص لاستصدار الأحكام القيمية القطعية على منتجات الحضارة الأوروبية بأن قام بالمقارنة بين متحفين للتكنولوجيا وللفن التشكيلي الحديث بألمانيا، وهنالك كان التردي المدوي الثاني لصاحبنا حيث، وبعدما أشاد بمظاهر التقدم التكنولوجي كما يعكسها المتحف الأول، وصف محتويات متحف الفن الحديث ب"الزبالة". هنا قد يستعجب البعض هذه المقارنة العجيبة، لكن كل عارف بالإيديلوجيا الرجعية يعلم مدى تشجيع هذا الفكر للتطور العلمي في جانبه المادي والميكانيكي الجاف كما يتمثل في العلوم الفيزيائية والكيميائية والرياضياتية باعتبارها مؤهلات مرغوبة للقوة والغلبة في المشروع الجهادي المقدس الرامي التحكم في الرقاب والضمائر وخوض حروب لانهاية لها...مقابل الحساسية الشديدة والرفض للعلوم الإنسانية والفن والإبداع الفكري لما لهذه الملكات من قدرات على تحرير الفكر الفردي والجماعي وتربية الحس النقدي ورفض الوصفات والأجوبة الجاهزة، مما يشكل تحديا لمشاريع التنميط والتحكم الذهني التي تراهن عليها هذه الجماعات لإرساء نماذجها الظلامية، وهو ما يتضح في سياستها التعليمية في علاقة بالمواد الفلسفية والفنية سواء بالمغرب أو غيره من البلدان كما نبهنا لذالك غير ما مرة. أما الذي يعجز المقرئ الإدريسي عن فهمه فهو أن تطور الفن الحديث، منذ أواسط القرن التاسع عشر، كان بتواز مع تطور باقي مجالات الفكر والعلوم الحقة والإنسانية والفلسفية في سياق حضاري منسجم اتسم خصوصا بكسر المسلمات والقوالب القديمة والنظرة الإطلاقية للعالم وللإنسان، بكيفية تجعل العمل التشكيلي التكعيبي، مثلا، انعكاسا حضاريا رائعا للفيزياء النسبية وميكانيكيا الكم، واللوحة السريالية ترقينا بديعا لسيكولوجيا الأعماق لدى فرويد ويونج... وعليه فإن فهم وتذوق الفن الحديث لا يؤتى سوى للراسخين في علوم الفن والسيكولوجية والفلسفة والسيميولوجيا...، وللمواطنين والمواطنات الذين نشئوا في بنية تربوية وثقافية واجتماعية سليمة تؤهلهم لذلك، وللمتشبعين بالفكر النسبي وقيم الجمال والروح الديمقراطية، وهو ما لا يتوفر لدى صاحبنا ومن هم على شاكلته للأسف الشديد. وفي هذا الصدد تصوروا معي، أبوزيد وأمثاله كثر، الذي كان يمكن أن يكون وزيرا وقد يصير وزيرا للثقافة أو التعليم في المغرب... يقدم نفسه ويقدمه حزبه على أنه سياسي وبرلماني وجامعي ومنظر وخطيب وداعية إسلامي...، وبكل هذا السلوك العنصري والجهل الثقافي والفني المذهل! السؤال الثاني: ما علاقة أبوزيد ورفاقه بالسعودية وإيران وتركيا وقطر والتنظيم الدولي للإخوان المسلمين... ، علما أنه كان رئيس لجنة الصداقة المغربية الإيرانية بالبرلمان المغربي، وكان عضوا بعدة لجن بما في ذالك لجنة التشريع بالبرلمان؟ وما علاقة حزب "العدالة والتنمية" و"حركة التوحيد" والإصلاح بهذه الدول والجماعات؟ وما هو تصور عرابي الإسلام السياسي في المغرب للكيان المغربي جغرافيا وسياسيا واقتصاديا وثقافيا، وما الحدود الفاصلة بين المحلى والخارجي في هذا التصور؟ إن الدور المنتظر من النخب السياسية الفعلية هو العمل على تقوية مناعة الوطن وبلورة وعي فعال وسياسات ناجعة في سياق عالمي لا يرحم وليس المغامرات المزاجية الساذجة أو التقلب كالمومس بين أحضان من يدفع أكثر من الدول والجماعات وأجهزتها. لقد حان الوقت للمطالبة بقوة بتوضيح هذه العلاقات ومستوياتها ومواردها وخلفياتها ومقابلها، بل وفتح تحقيق قضائي في الموضوع بالنظر للخطر الكبير الذي تشكله تلك التيارات وشبكات المصالح ودورها في زعزعة استقرار بلدان المنطقة وبلورة أجندات كارثية كما نشهد اليوم في تونس ومصر وسوريا... السؤال الثالث: يتلقى حزب أبوزيد ملايين الدراهم عن طريق دعم الدولة وتمويل الانتخابات والهبات...، ويتقاضى صاحبنا بصفته نائبا برلمانيا ل"البيجديي" الملايين من خزينة المغرب، أي من أموال دافعي الضرائب المغاربة وخاصة من التجار و"أصحاب الدكاكين" الأمازيغ والذين "تنكت" واستهزأ بهم في حضرة أسياده وولاة نعمته الأجانب. والسؤال الذي يطرحه هذا الوضع اليوم هو ما ذا يستفيد المغرب والمغاربة من هذه الأموال التي يتلقاها الحزب ومثل هؤلاء من سياسييه احترفوا النوم في البرلمان واستهلاك ميزانيات باهظة وأدمنوا على السفريات والمشاركات وإلقاء العروض المشبوهة، ومن أموال الشعب، والتي لا تخدم سوى أجندتهم المضمرة والتي انفضح بعض منها من الرياض؟ السؤال الرابع: يتأكد اليوم بعد أن صدرت الإساءة والقذف العنصري البغيض من "ممثل للأمة" وسياسي جاهل من الحزب الحاكم، وفي دولة أجنبية، أننا في حاجة ملحة إلى قانون لتجريم العنصرية والإساءة للأمازيغية. فالمواطن الأمازيغي واللغة والثقافة والهوية الأمازيغية هم أكثر عرضة للميز والحكم العنصري والتعامل البغيض، ومن تم ضرورة المطالبة بتجريم هذا السلوك المقيت. في الأخير نعود للتسطير على دلالات هذه الحادثة التي تشي بمدى إفلاس المنظومة الفكرية والحضارية المغربية والغياب الشبه الكلي لنخب فعلية فكرية وثقافية وسياسية، وخطورة ذلك على حاضر البلاد ومستقبلها.