في ضوء تحقيق كتاب (أربعون حديثا في العدل) «3» الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يحتفل به على مستوى العالم كل سنة في اليوم العاشر من شهر دجنبر هو يوم له أهميته بأهمية ومكانة الميثاق المحتفى به، وقد فكرت بمناسبة هذا اليوم أن أجعل حديث هذا الأسبوع حوله، وأتحدث عنه بما يناسب هذا الإعلان الذي هو في الواقع تجميع وتركيب لوثائق سابقة في الموضوع، وأصبح هذا الإعلان بهذا الشكل الذي أخذ به طابعا إنسانيا عالميا، لمصادقة هيأة الأممالمتحدة عليه وتوحيد الناس ورؤيتهم لهذه الحقوق، وهذا الاحتفاء يستلزم في مقابل انجاز هذه الحقوق واجبات على الأفراد والحكومات، ولكن مع ذلك فإن الناس تتحدث عن الحقوق وتنسى الواجبات، التي بدونها لن تتوفر هذه الحقوق، ولن يتمكن الناس من التمتع بها والشعور بالاطمئنان نحوها. ومع ذلك فإن باب هذه الحقوق باب مفتوح للتساؤل من حيث الدعوة إلى الالتزام بها هل من وكل إليهم أمر صيانة هذه الحقوق وحمايتها بدءا من هيأة الأممالمتحدة ومجلس الأمن هل قاما بواجبهما في الدفاع عن حقوق الإنسان وحمايتها أم لا؟ لاشك أن الجواب سلبي، ويتميز دورهما بتعدد المكاييل في هذا الموضوع كما في غيره. وليس واقع حماية هذه الحقوق الذي هو واجب الحكومات لدى هذه بأحسن حالا، ولكن مع هذا وذاك فإن الأمر نسبي بالنسبة للحكومات على مستوى العالم، وفي العالم الإسلامي فكفة المس والتفريط في حقوق الإنسان راجحة بشكل ملحوظ، ولا يحتاج الإنسان إلى كبير عناء ليلمس هذا الاختلال لجهة هدر هذه الحقوق وربما دوسها بالأقدام لدى الكثير من الحكومات في العالم الإسلامي، ولا يشفع لهذا قيام منظمة التعاون الإسلامي بإصدار ميثاق حقوق الإنسان ذي مرجعية إسلامية فالعبرة بالواقع المعيش وليس بمواثيق معلنة هنا أو هناك. وعلى أي حال فإن العدالة إذا توفرت للناس يكونون في واقعهم اسعد لأنهم ينالون الكثير من هذه الحقوق ولو لم تسم بهذا الاسم، فمقولة عمر التي صرخ بها في وجه عمرو بن العاص رضي الله عنهما «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا»، هي أساس مواثيق حقوق الإنسان، فبداية الإعلان التي تقول يولد جميع الناس أحرار ومتساوين في الكرامة والحقوق ...الخ، هي تعبير عمر، وعمر إنما قالها من أجل إنصاف متظلم ومظلوم من ابن عمرو بن العاص لتحقيق العدل والمساواة بين الناس حاكمين ومحكومين وعمر إنما استحضر النصوص القرآنية والحديثية في الموضوع. ومن هنا فإننا نعتبر في حديث الجمعة ونحن نتحدث عن العدل والعدالة إنما نتحدث بالدرجة الأولى عن أساس كل الحقوق ومناط كل الواجبات في حياة الأفراد والجماعات. ********* علماء موسوعيون في حديث الجمعة الأخيرة اشرنا إلى أن الباحث يلمح وبعض المرات يصرح بما يشعر به من رواية الحديث وبصفة خاصة أحاديث العدل السياسي، وذلك لأنه لا يجد هذه الأحاديث كثيرة في الكتب المتقدمة ولأنه من جهة ثانية لا يجدها في كتب الأدب ك: «عيون الأخبار» لابن قتيبة رغم مكانته وجمعه بين العلوم الشرعية والأدبية واللغوية وهذه في الحقيقة ميزة لا تخص ابن قتيبة وحده في هذه الفترة، فكثير من العلماء يجمعون بين العلوم الشرعية والأدبية واللغوية وذلك لا هذه العلوم اللغوية وما يدخل في باب (الأدب بمعناه الواسع) كانت تخدم وتساعد في إدراك وفهم مرامي الشرع وأهدافه، وبالأساس في فهم الكتاب والسنة، ولذلك لا يمكن اتخاذ الأمر ذريعة أو حجة لبذر نوع من الشك أو حتى الإيحاء بالشك، لأن علماء الحديث والفقهاء وغيرهم من المهتمين بالسنة وروايتها وحفظها لا يستحيون إذا وجدوا ما يجب قوله في هذا الحديث متنا أو نصا، والشبهة التي يمكن أن ترد، هم الذين يتولون إيرادها قبل غيرهم من الناس ومنهاج الدراسة والبحث في منظومة التعليم الإسلامي مبني على طرح الإشكالات وإيجاد الحلول لها. السنة في مواجهة الأعاصير والسنة النبوية واجهت ولا تزال تواجه "الأعاصير" كما عبر عن ذلك الدكتور (مصطفى السباعي) رحمه الله الذي كان من أحد العلماء الذين دافعوا عن السنة وتوثيقها لدى علماء الحديث في الزمن الغابر، وكتابه: (السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي) لا يزال من أهم المراجع في هذا الباب. ولا شك أن استهداف الحديث أو السنة ومحاولة إثارة الشبه في سياق الانتقاص من مكانتها ليس مقتصرا على أبناء عصرنا هذا ولا كان المستشرقون الذين لمزوا وغمزوا وشوهوا بالأوائل في هذا المنزع، ولكنهم وجدوا ذوي الأهواء والنوايا الخبيثة سبقوهم في هذا الباب، ولذلك فإن الدعوة التي أطلقها البعض في العقود الأخيرة وأطلقوا على أنفسهم (القرآنيين) إنما يغرفون من مستنقع الأباطيل والأكاذيب التي وجدوها مدونة ومكتوبة لدى من سبقوهم. ولا يمكن لدعواهم أن تثمر كما لم تثمر دعوى من تقدموهم. تقليد وعجز هذا الخاطر ألح على كثيرا عندما رجعت إلى كتاب العلامة ابن قتيبة رحمه الله (تأويل مختلف الحديث) الذي صنفه لدحض الكثير من الشبه وجعلني في نفس الآن أدرج بعض ما جاء في الشكوى أو الفتوى التي بني عليها كتابه فوجدت أن الكثير من الطروحات التي يلوكها البعض هنا و هناك ليست إلا من قبيل التقليد الذي يعبر عن العجز وعن فشل من يعطون لأنفسهم مكانة في النقد والإثارة وليست لهم، وهم لم يعدو أن يكونوا مرددين لمقولات أبطلت وصفي أمرها منذ زمان. رد وجواب فابن قتيبة الذي أشرنا إليه كتب في مقدمة كتابه (تأويل مختلف الحديث) معددا للشبه والأباطيل ليرد عليها فيما بعد، ومما جاء في هذه المقدمة: (أما بعد) أسعدك الله تعالى بطاعته وأحاطك بكلاءته ووفقك للحق برحمته وجعلك من أهله فإنك كتبت إلي تعلمني ما وقفت عليه من ثلب أهل الكلام أهل الحديث وامتهانهم وإسهابهم في الكتب بذمهم ورميهم بحمل الكذب ورواية المتناقض حتى وقع الاختلاف –وكثرت النحل- وتقطعت العصم- وتعادى المسلمون وأكفر بعضهم بعضا، وتعلق كل فريق منهم لمذهبه بجنس من الحديث. فبدأ بالخوارج وما تحتج به من أحاديث وثنى بالمرجنة وما تعتمد عليه والقدرية وما تحتج به ويليه المفوض وما يؤسس عليه مقالته والرافضة وأسس مذهبهم في الإمامة والفقراء والزهاد وما لهم من معتمد الحديث سبب الخلاف ويقول بعد ذلك «هذا مع روايات كثيرة في الأحكام اختلف لها الفقهاء في الفتيا حتى افترق الحجازيون والعراقيون في أكثر أبواب الفقه وكل يبني على أصل من روايتهم». وفي هذه الأحاديث التي ذكرها مجموعة مهمة من أحاديث تتناول ما هو في باب العدل السياسي. ليقول بعد ذلك: «قال أبو محمد هذا ما حكيت من طعنهم على أصحاب الحديث، وشكوت تطاول الأمر بهم على ذلك من غير أن ينضح عنهم ناضح، ويحتج لهذه الأحاديث محتج، أو يتأولها متأول، حتى أنسوا بالعيب، ورضوا بالقذف، وصاروا بالإمساك عن الجواب، كالمسلمين، وبتلك الأمور معترفين. أمل وجواب وتذكر أنك وجدت في كتابي المؤلف في «غريب الحديث» بابا ذكرت فيه شيئا من المتناقض عنهم، وتأويلته فأملت بذلك أن تجد عندي في جميعه مثل الذي وجدته في تلك من الحجج، وسألت أن أتكلف ذلك محتسبا للثواب. فتكلفت بمبلغ علمي ومقدار طاقتي، وأعدت ما ذكرت في كتبي من هذه الأحاديث، ليكون الكتاب تاما جامعا للفن الذي قصدوا الطعن به. وقدمت –قبل ذكر الأحاديث، وكشف معانيها- وصف أصحاب الكلام وأصحاب الحديث، بما أعرف به كل فريق. وأرجو أن لا يطلع ذو النهى منى، على تعمد لتمويه، ولا إيثار لهوى ولا ظلم لخصم. وعلى الله أتوكل فيم أحاول، وبه أستعين».اه التساؤل مطلوب ومشروع وليس معنى هذا أن كل من حاول الفهم أو إثارة تساؤلات يمكن اعتباره من هذا التوجه المغرض والمتبع لهواه، فالناس من حقهم أن ينتقدوا وان يسألوا وهو ما فعله نقاد الحديث قديما فخرجوا على الناس بعلم جديد ومنهاج جديد يتناول الحديث ورجالاته وهو ما يدخل في باب التوثيق الذي نخصص له جزء من حديث في هذا الأسبوع. والذي دعاني إلى هذا الاستطراد هو ما ورد في الدراسة القيمة التي وضعها محقق «أربعون حديثا في العدل»، حيث رجع إلى كثير من الأمور التي كتبت في الموضوع وهو يلح كثيرا في المقارنة بين ما دون وجمع في القرن الأول والثاني وما دون بعد ذلك في موضوع العدل السياسي وما جعله يطرح الأمر وإن كان مع شيء مما اشرنا إليه في حديث سابق وفي هذا الصدد يقول: تدوين الحديث «ولم يكن علماء الحديث في المائة والخمسين عاما الأولى لظهور الإسلام يعتبرون أنفسهم أنهم ينشؤون علما جديدا (وهو علم الحديث) إنما كانوا منطلقين من مجرد الرغبة في إحياء التراث الديني التعليمي، ودعم جهود الوعد وتوعية جمهور المسلمين، واستعادة التراث المحمدي بعد عدة قرون من وفاة الرسول. ونلاحظ ان روح المحافظة على تقاليد الإسلام الأصلية كانت هي السائدة في جهود جمع الحديث النبوي، وذلك من منطلق أن روح الإسلام الصحيح موجودة في الحقيقة في التعاليم و الأقوال التي تعود إلى فترة النبي محمد والجيل الأول من الصحابة والخلفاء». مضمون العلم «وقد امن علماء الحديث (وعلم الحديث يشتمل بطبيعته على الحكمة الوعظية والأخلاقية) في بداية الأمر/ بأنهم مجرد ناقلين للنصوص والأخبار المروية عن النبي، وأنهم ليسوا مبدعين أو منشئين لمادة أو علم ما. بيد أن عملية النقل أصبحت لم تخل من إبداع، حيث أن الأجيال الجديدة من العلماء صاروا يقصدون- من خلال نقل التراث من الأحاديث النبوية- إلى التعامل من الظروف المعاصرة لهم والقضايا التي تهم أبناء المجتمعات التي يعيشون فيها. لذا، فقد كان ينظر هؤلاء العلماء إلى حكم القدماء كمادة تحتاج تفسيرات وتأويلات جديدة تواكب الظروف المعيشية. ومن هنا، فان الحديث ساهم بشكل مميز في بناء الثقافة الإسلامية». ظهور متأخر ثم يضيف المحقق ويلاحظ ظهور عدد من الحكم والأقوال في مصادر "الأدب" منسوبة إلى شخصيات مختلفة من عالم الإسلام أو غيره، تظهر في مصادر الحديث المتأخرة كأحاديث نبوية ومن أوضح الأمثلة على ذلك القول: "عدل السلطان يوما واحدا خير من عبادة سبعين سنة". «والغزالي مثلا لا يشك في ان هذا الحديث قاله النبي فعلا، إلا أننا لا نجد هذا الحديث في كتب الحديث المعروفة. كذلك، يظهر عدد من الأحاديث التي لم تحظ بنصيب من الاهتمام أو الرواج في العصور المبكرة، ولكنها حظيت بمزيد من الرعاية والاهتمام في العصور المتأخرة، اعتبارا من القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي. ويبدو أن المفكرين المسلمين المتأخرين، حين لم يجدوا ما يكفي حاجتهم من الحديث النبوي في موضوع العدل السياسي، قد لجأوا إلى أقوال الصحابة والتابعين في هذا المجال». بين السنة والحديث يظهر هنا أن المحقق لم يدقق كثيرا في المعنى المقصود بمصطلح السنة الذي يرادف الحديث لدى علماء الحديث والفقهاء والأصوليين ويصبح من الضروري التذكير بهذا المعنى، ونحن نرى المحقق مرة أخرى يندفع إلى التشكيك والتعريض في هذا الموضوع. فالسنة في اصطلاح المحدثين ما أُثر عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خُلقية أو خِلقية أو سيرة سواء كان قبل البعثة أو بعدها وهي بهذا ترادف الحديث. وقد تشتمل السنة عندهم على ما أضيف إلى الصحابي أو التابعي. وعند الأصوليين هي كل ما صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير مما يصلح أن يكون دليلا لحكم شرعي ويضيفون ما دل عليه دليل شرعي سواء كان ذلك في الكتاب العزيز أو عن النبي أو اجتهاد أو اجتهد فيه الصحابة... (ص: 20-21 من كتاب توثيق السنة بين الشيعة الأمامية وأهل السنة). ومن هذا يتضح أن إضافة قول الصحابي أو حتى اجتهاده يعتبر بهذا المعنى من السنة أو من الحديث. التوثيق والرواية وهذا يطرح ضرورة التذكير بما قام به علماء الحديث من أجل توثيقه وضبطه ضبطا دقيقا ومحكما وهو ما أشار إليه المحقق نفسه، لكننا نعود إلى ما اشرنا إليه في مدخل هذا الحديث وهو إعطاء بعض الإشارات عن توثيق السنة كما اشرنا في مدخل هذا الحديث إلى أننا سنتحدث عن توثيق السنة كما قام به المحدثون منذ القديم وفي باب السياسة والإمام قام أحد الباحثين مؤخرا بإنجاز رسالة علمية جامعة في موضوع توثيق السنة المتعلقة بالإمامة ونكاح المتعة بين أهل السنة والشيعة الإمامية وهي دراسة ممتعة جدا وقيمة وفي موضوع ما قام به أهل السنة في التوثيق نأخذ من الباحث بعض ما ورد في الموضوع. شروط الرواية وبدأ بالحديث عن الشروط المطلوب توفرها في الراوي وذكر منها ما هو معروف ومقرر عند علماء الحديث لقبول الرواية وهي شروط أربعة وهي: الإسلام، والعقل، والعدالة، والضبط. «وعرف العدالة بأنها هي صفة راسخة في النفس تحمل صاحبها على ملازمة التقوى والمروءة، والمراد بالتقوى اجتناب الأعمال السيئة، من فسق أو بدعة. والمراد بالمروءة احتراز الإنسان عما يذم به عرفا». التصنيف: وكيف يتم التعرف عن هؤلاء الرجال وهل تتوفر فيهم الشروط أم لا؟ فغن فقد صنف فيهم علماء السند كتب كثيرة. أما التصنيف في الرجال فلقد قام علماء أهل السنة بتصنيف أنواع كثيرة من المصنفات في تراجم الرجال وتاريخهم، وقد بذلوا في هذه المصنفات جهودا جبارة تشهد لهم على مر الأيام والدهور بصبرهم ومهارتهم وتفانيهم لرواية السنة المشرفة ونقل نصوصها، ثم الكلام عنهم وعن حياتهم تفصيلا، من جميع النواحي من حياة الراوي، لاسيما فيما يتعلق بتوثيق الراوي وتجريحه حتى نتعرف عن أحوال الرواة، وتمييز القوى من الضعيف، والصادق من الكذاب. وقد تفننوا في تنويع هذه المصنفات، وتقسيمها وتفريعها، فمن مصنفات خاصة بمعرفة الصحابة، إلى كتب علم الطبقات، ومن كتب مرتبة على الحروف، إلى كتب خاصة برجال بعض البلدان، ومن مؤلفات خاصة بالثقات أو الضعفاء، إلى مصنفات عامة لجميع الأنواع، ومن كتب خاصة برجال بعض كتب الحديث، إلى تصانيف في رجال عامة رواة الحديث، ومن كتب في معرفة الكنى والألقاب، إلى غيرها من المصنفات في كل باب. ويمكن تقسيم هذه الأنواع من المصنفات في الرجال إلى سبعة أنواع: 1 – المصنفات في معرفة الصحابة 2 – المصنفات في الطبقات 3 – المصنفات في رواة الحديث عامة 4 – المصنفات في رجال كتب مخصوصة 5 – المصنفات في الثقات خاصة 6 – المصنفات في الضعفاء والمتكلم فيهم 7 – المصنفات في رجال بلاد مخصوصة. ثانيا: طرق التحمل والأداء وعن طريق تحمل الحديث يقول الباحث: والمراد بتحميل الحديث هو طرق أخذه وتلقيه عن الشيوخ، والأداء هو رواية الحديث بعد تحميله. وقد اعتنى علماء المصطلح بهذا النوع من علوم الحديث، ووضعوا له القواعد والضوابط والشروط بشكل دقيق رائع، وميزوا بين طرق تحمل الحديث، وجعلوها على المراتب، بعضها أقوى من بعض، وذلك تأكيدا منهم للعناية بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحسن انتقاله من شخص إلى شخص كي يطمئن المسلم إلى طريقة وصول الحديث النبوي إليه ويوقن أن هذه الطريقة في منتهى السلامة والدقة. وقد حصر العلماء طرق الأخذ للحديث وتلقيه عن الرواة بثماني طرق، توسعوا في دراستها وبيان أحكامها، نلخص أصولها فيما يلي: 1 – السماع من لفظ الشيخ: وهو أن يقرأ الشيخ، ويسمع الطالب، سواء قرأ الشيخ من حفظه أو كتابه، وسواء سمع الطالب وكتب ما سمعه، أو سمع فقط ولم يكتب، وهو أرفع درجات أنواع الرواية عند الأكثرين من المحدثين وغيرهم وذلك لما في هذا الطريق من شدة التحري من كل من: الشيخ والطالب لاسيما إذا كان التحديث مع الإملاء. 2 – القراءة على الشيخ: ويسميها أكثر المحدثين «عرضا». ويذهب قوم إلى أن القراءة تستوي مع السماع في درجة التحمل، وصورة القراءة: أن يقرأ الطالب والشيخ يسمع، سواء قرأ الطالب، أو قرأ غيره وهو يسمع وسواء كانت القراءة من حفظه أو من كتابه. 3 – الإجازة: والإجازة هي إذن المحدث للطالب أن يروي عنه حديثا الإجازة لا تجوز إلا لماهر بالصناعة حاذق بها، يعرف كيف يتناولها، وتكون في شيء معين معروف لا يستشكل إسناده، فهذا هو الصحيح من القول في ذلك». 4 – المناولة: ومعنى المناولة عند المحدثين أن يعطي الشيخ للتلميذ كتابا أو صحيفة ليرويها عنه، وهي تنقسم إلى قسمين: الأول: المناولة المقرونة بالإجازة، والثاني: المناولة بلا إجازة. 5– المكاتبة: وهي أن يكتب الشيخ بخطه أو يكلف غيره بأن يكتب عنه بعض حديثه لطالب حاضر بين يديه أو غائب عنه ترسل الكتابة إليه، وهي نوعان: الأول: مكاتبة مقرونة بإجازة، وهي في الصحة والقوة شبيهة بالمناولة المقرونة بالإجازة، والثاني: مكاتبة المجردة من الإجازة، والصحيح المشهور عند أهل الحديث تجويز الرواية بالمكاتبة سواء مقرونة بإجازة أو مجردة عنها. 6– الإعلام: ويراد بالإعلام اكتفاء الشيخ بإخبار تلميذه بأن هذا الكتاب أو هذا الحديث من مروياته أو من سماعه من فلان، من غير أن يصرح بإجازته له في أدائه، أي من غير أن يقول: «اروه عني، أو أذنت لك في رواية»، أو نحو ذلك. 7- الوصية: الوصية وسيلة ضعيفة من طرق التحمل، وهي أن يوصى الشيخ عند موته أو سفره لشخص بكتاب من كتبه التي يرويها. ثالثا: الأسانيد من حيث اتصالها وانقطاعها: فقد عنى المحدثون بتحقيق الأسانيد والبحث فيها، لما أنه كثيرا ما يتوصل عن طريق السند إلى نقد للمتن لا يمكن الوصول إليه إلا عن طريق البحث في السند. وقد بذل المحدثون غاية الجهد في تتبع الأسانيد وتقصيها حتى رحلوا من أجلها في البلاد، وجالوا في الآفاق لكي يعثروا على سند، أو لكي يبحثوا في سند صعب عليهم أمره، كما أن طلب الإسناد العالي سنة عمن سلف كما قال الإمام أحمد ابن حنبل لأن أصحاب عبد الله بن مسعود كانوا يرحلون من الكوفة إلى المدينة فيتعلمون من عمر ويسمعون منه، ولذلك استحبت الرحلة في طلب الحديث. ولقد رحل غير واحد من الصحابة في طلب علو الإسناد، منهم أبو أيوب وجابر رضي الله عنهما. ولنا عودة للموضوع. أستاذ الفكر الإسلامي